تأملا ت في واقع الدعوة

0 611

إذا نظرنا إلى واقع الدعوة الإسلامية حاليا فلا بد من الحديث عن الدعاة فهم عمادها وأساسها.. والدعاة ـ كما هو معروف ـ نوعان:

1 ـ دعاة محليون. 2 ـ دعاة عالميون.


فإذا نظرنا إلى الدعاة المحليين ـ على مستوى العالم العربي ـ وجدنا أن مستوى كثيرين منهم هابط، وخصوصا الدفعات الأخيرة من المتخرجين , والهبوط يزداد ويزداد . ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة لعل من أهمها:

1 ـ اضمحلال "الكتاتيب" بل انتهاؤها، وقد كان في كل قرية من قرى مصر ـ مثلا ـ كتاب أو أكثر..

في هذه الكتاتيب حفظنا القرآن كله قبل أن نبلغ الثانية عشرة، وبعضنا "ختم" القرآن وهو في العاشرة. وكان شرط الالتحاق بالصف الأول من المعاهد الابتدائية الأزهرية حفظ القرآن كله.

ولا يقولن قائل إن "مراكز تحفيظ القرآن" تقوم بنفس الدور، لأن عددها قليل جدا إذا ما قيس بعدد الكتاتيب.. ومهماتها أدخل في باب "الوظيفة الحكومية" شأنها شأن الوظائف الرسمية الأخرى.


2ـ ما يسمى بقانون تطوير الأزهر، وكان الأزهر هو المحضن الأساسي ـ على مستوى العالم الإسلامي ـ الذي يفرخ خير الدعاة وألمعهم.. إلى أن صدر ما يسمى بقانون تطوير الأزهر سنة 1964م، وبمقتضاه أنشئت كليات تجريبية مثل: الطب، والعلوم، والهندسة، والزراعة ... إلخ.


وسألنا لماذا هذه الازدواجية يا سادة؟ وفي الجامعات المصرية الأخرى نفس الكليات: كجامعة القاهرة، وجامعة عين شمس، وجامعة الإسكندرية؟ فكان الجواب: حتى يتخرج في هذه الكليات الجديدة الدعاة المتفتحون: الطبيب الداعية، والمهندس الداعية. والكيمائي الداعية. لينطلقوا دعاة في أفريقيا. وأحراش آسيا: يعالجون المرضى، ويبنون المنازل , ويعالجون الحيوانات... إلخ وفي أثناء ذلك يدعون إلى الإسلام , كما يفعل المبشرون في هذه المناطق..


والواقع العملي يقول إن النتيجة كانت مؤسفة، فقد تخرج في الأزهر أطباء، ومهندسون، وكيمائيون، ولكن لم نسمع بداعية واحد من هؤلاء لا على المستوى المحلي، ولا على المستوى العالمي. أما نتيجة النتائج ـ التي لا يماري فيها اثنان فهي أن هذا القانون طمس الهوية الإسلامية الباهرة للأزهر، حتى في الكليات الدعوية المتخصصة كالشريعة، والدعوة، وأصول الدين.. قل أن نجد في خريجيها من يحفظ القرآن كاملا.


3ـ ضعف الحصائل الثقافية للدعاة، وخصوصا علوم العصر من اجتماع، وقانون، وعلم نفس، ومستجدات التقنية والمذاهب السياسية المعاصرة، فمعرفة كل ذلك يمنح الداعية سلاحا قويا يمكنه من الرد على الشبهات والمفتريات التي تلصق زورا بالإسلام.

والدعاة العالميون..

أما الدعاة الإسلاميون العالميون فتقول أحدث الإحصاءات أن عددهم ـ على أحسن التقديرات وأسمحها ـ لا يجاوز خمسة آلاف. في مقابل ربع مليون منصر كنسي عالمي. وهي إحصائية مفزعة حقا..

والفارق الكبير ليس في العدد فقط، ولكن في الإمكانات المادية، والتقنية والتعضيد، والمساندة السياسية القوية التي تقف وراء هؤلاء المنصرين.


وأمام هذه الحال لا بد من زيادة عدد الدعاة الإسلاميين العالميين من ناحية، وأن يكون رصيدهم من الفقه، والثقافة القديمة، والحديثة، والتيارات المذهبية المعاصرة رصيدا ضخما يستطيعون به مجابهة الدعوات، والمذاهب والتيارات المضادة من ناحية أخرى، وأن تقف وراءهم بالتأييد والمساندة الحكومات والشعوب الإسلامية.


خطة طويلة المدى..

ولكن لا بد من وضع تخطيط طويل المدى لنجاح الدعوة الإسلامية، ونشرها على مستوى العالم كله. ومن أهم عناصر هذه الخطة في نظري إنشاء (أكاديمية إسلامية عالمية) لتخريج الدعاة المسلمين العالميين، وليكن مركزها مكة أو القاهرة على سبيل المثال، وتفتح أبوابها للنابغين من الطلاب المسلمين في كل أنحاء العالم، ممن رزقهم الله موهبة الذكاء، وقدرة البيان وحضور البديهة.. وتشمل هذه الأكاديمية أقساما متعددة بتعدد البلدان، والمناطق التي سيزاول فيها الدعاة عملهم: فمثلا قسم للدعاة الذين سيباشرون الدعوة في مناطق الهوسا.. يدرسون لغة الهوسا دراسة معمقة والعادات والتقاليد الخاصة بشعوب هذه المناطق. وتراثهم، وحضاراتهم، وعقائدهم، وطوابعهم.. حتى تكون الدعوة معايشة حقيقية كاملة تمكن الدعاة من تحقيق الرسالة التي يحرصون على تحقيقها.


وواضح أن النظام في هذه الأكاديمية يختلف عن نظام كليات الدعوة التقليدية في البلاد الإسلامية. كما يجب أن تدعم هذه الأكاديمية العالمية من الشعوب والحكومات تدعيما ضخما قويا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: د.جابر قميحة

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة