التسويف والتباطؤ

3 975

أخي: أتذكر كم مرة عزمت على فعل خير ثم أجلت؟

كم مرة فكرت في قيام الليل ثم أرجأت؟

كم مرة داعبت أفكارك التوبة ثم سوفت؟

كم مرة قالت لك نفسك: تصدق، فقلت: غدا سوف أتصدق. وجاء الغد وتبعه آخر ولم تفعل؟

أتدري ـ أيها الحبيب ـ أن التسويف والتباطؤ من أعدى أعدائك حيث يكون أكثر ندم أهل النار من : سوف؟.

لأنهم كانوا يفكرون في فعل الخير، أو ترك المعاصي والمنكرات فأجلوا وسوفوا حتى نزل بهم الموت فندموا حيث لا ينفع الندم:( وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب) (سـبأ:54)

ولقد ذم الله التباطؤ والتسويف فقال:

(يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا . وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا . ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما) (النساء: 71-73)

كما نبه الله المؤمنين إلى ضرورة وأهمية المبادرة بالأعمال الصالحة قبل حلول الأجل وهجوم سكرات الموت على العبد فقال:

(وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين. ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) (المنافقون:10-11).

  

وقال الله تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون. لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). (المؤمنون: 99-100)

ونفس المعنى أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:

" بادروا بالأعمال الصالحة".

وقال:" اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".

من أسباب التباطؤ والتسويف:

1ـ ضعف الهمة والإرادة:

 فبينما تجد صاحب الهمة العالية في شغل دائم ، مهموما بإصلاح نفسه ، ساعيا في اللحاق بركب المتقين، تجد ضعيف الهمة كسولا متراخيا، مؤجلا عمل اليوم إلى الغد.

ولعلك تعرف سر استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل إذ كان يردد كثيرا: " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل"

2ـ صحبة البطالين:

فالإنسان يتأثر بالبيئة المحيطة به، ويكون التأثير الأكبر لأصحابه المقربين، فإذا كانت هذه الصحبة بطالة تميل إلى الدعة والراحة تهمل أداء الواجبات، وتميل إلى الجرأة على المنكرات، فإن من يخالط هذه الصحبة سيتأثر بها ولا شك، ولعل هذا هو السر في توجيه النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي".

3ـ طول الأمل:

 فإن طول الأمل ينسي العبد التفكر في أمر الآخرة والاستعداد لها وكما قيل: لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلا.

ولهذا كان الصالحون يستعيذون بالله من طول الأمل؛ لأنه يمنع صالح العمل.

ويقول ابن الجوزي رحمه الله:

يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدا، ولا يغتر بالشباب، والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشباب، ولهذا يندر  من يكبر، وقد أنشدوا:

يعمر واحد فيغر قوما       وينسى من يموت من الشباب.

4ـ ضعف جانب الخوف وتغليب جانب الرجاء:

فالإنسان حين يأمن العقوبة قد يسيء الأدب، وحين يأمن الإنسان مكر الله وعقابه، ويمني نفسه بعفو الله ومغفرته فإن ذلك يوقعه في التسويف والتأجيل طالما أنه استقر في نفسه أن الله عفو غفور رحيم ، لكنه نسي أن الله تعالى شديد العقاب وأن بطشه شديد وأن عذابه أليم وأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

وإذا كانت هذه الآفة من أشد الأمراض التي تفتك بالأفراد والمجتمعات والأمم، فإننا سنتعرض في مقال قادم إن شاء الله لبيان آثارها على الأفراد والمجتمعات، وأهم طرق العلاج....

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة