العمل التطوعي وأثره في الصحة النفسية

1 1267

لا يختلف اثنان في أن الصحة النفسية والسعادة القلبية، وما يتبعها من طمأنينة، وسكينة، واستقرار نفسي، هي أهداف منشودة لكل إنسان على هذه المعمورة، مهما كان منصبه أو درجته المهنية، أو حالته المادية، أو طبيعته الاجتماعية؛ فالغني في قمة غناه ينشد الصحة النفسية والطمأنينة القلبية والراحة والاستقرار، والفقير في أدنى درجات فقره، هو كذلك. وينشد تلك المعاني الرجل والمرأة، الكبير والصغير، حتى المريض في مرضه، على ما فيه من اعتلال ومرض، ينشد هذا الاستقرار النفسي، ويسعى للتكيف والتوافق مع ما ابتلاه الله به.

ومن المتفق عليه أن أنجع سبل الصحة النفسية والطمأنينة القلبية عبودية الخالق، سبحانه وتعالى؛ فكلما تقرب الإنسان لربه، وتزلف إليه بمحبوباته وطاعاته، نال حظه من سعادة القلب، وطرب الروح، وصحة النفس. يقول الحق - سبحانه -: {من عمل صالـحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل:٧٩].

وعلى قدر بعد الإنسان عن خالقه تكون العقوبة؛ فلا تسل عنه بعد وقد غمر بالهموم والغموم، والأمراض، والمشكلات النفسية. وصدق الحق في علاه: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه: 124].

آثار العمل التطوعي في الصحة النفسية:
1 - إشباع بعض الحاجات النفسية:
إن مما لا يخفى أهمية الاهتمام بالحاجات النفسية، والسعي في إشباعها بما يناسبها؛ وذلك لصدها عن التوجه لـما لا يناسبها وهذا له تأثير عكسي في التوازن النفسي، ومن أهم تلك الحاجات:

أ - إشباع الجانب الديني والروحي:
عندما يمارس المتطوع الأعمال التطوعية بمجالاتها المختلفة من منطلق تعبدي؛ فإنه بذلك يشبع هذا الجانب الديني والروحي في نفسه؛ فهو يمارس عبادة لا تقل أهمية عن العبادات الأخرى، بل هي عبادة متعدية؛ وأجرها وفضلها خير من العبادة القاصرة.

ب - إشباع الحاجة إلى الإنجاز والنجاح:
الحاجة إلى الإنجاز مفهوم فرضي، يدل على حالة نفسية داخلية، تدفع الشخص إلى النشاط والعمل والإنجاز، وهي تنمو بالإشباع، وتضعف بالحرمان.

ج - إشباع الحاجة إلى الاحترام والتقدير الذاتي:
توجد لدى الكثيرين الحاجة أو الرغبة في تقدير أنفسهم تقديرا عاليا مع احترام الذات، كما توجد لديهم الرغبة في أن يقدرهم الآخرون. وتعطيل هذه الحاجة يؤدي بالفرد إلى الإحساس: بالنقص والضعف والعجز، كما يؤدي إلى تثبيط العزيمة، أو إلى أي اتجاهات تعويضية، أو الشعور بالإخفاق الذي قد يؤدي إلى الصراع النفسي.

د - إشباع الحاجة إلى الانتماء والحب:
حينما يشبع الفرد حاجاته الفسيولوجية وحاجاته الأمنية بصفة أساسية وطبيعية، تظهر له الحاجات الاجتماعية كدافع رئيس يوجه سلوكه. وهذه الحاجات الاجتماعية تتعلق برغبة الفرد في أن يشعر بالانتماء للآخرين، وبقبول الآخرين له، وبالصداقة والمودة. وفي الوقت نفسه يرغب أيضا بأن يعطي هو نفسه الصداقة والمودة للآخرين.

و - إشباع الحاجة إلى المسؤولية:
من الحاجات الملحة للإنسان الحاجة للمسؤولية؛ حيث تشعره بأنه بلغ مصاف الرجال الكبار ومنزلتهم، إضافة إلى أنها تصرفه عن كثير من مظاهر العبث واللهو، وتشعره أنه فوق ذلك كله. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يدرب أصحابه على حمل المسؤولية في شتى المناسبات؛ ليضطلعوا بأعباء القيادة من بعده؛ فكان يستشيرهم في كل مناسبة، وكثيرا ما يعدل عن رأيه إلى رأيهم.. وهذا ما تبنيه المؤسسات التطوعية الخيرية في نفوس أبنائها؛ فهي تزيد الثقة بالنفس والقدرة على تحمل المسؤولية.

2 - توجيه الانفعالات وضبطها:
عرف علماء النفس الانفعالات بتعريفات عدة، منها: أنها تغير مفاجئ يشمل الفرد كله (نفسا وجسما). والممارس للعمل التطوعي هو من أقدر الناس على توجيه انفعالاته وضبطها؛ وذلك لأنه تمرس من خلال المواقف التي يشارك فيها عبر مجالات التطوع على كيفية التعامل مع تلك الانفعالات.

3 - تفريغ الطاقة:
يحمل الإنسان طاقة هائلة في نفسه، وهذه الطاقة طاقة حيوية محايدة تصلح للخير، وتصلح للشر، وتصلح للبناء، وتصلح للهدم، والمهم أن لا يختزنها أكثر مما ينبغي؛ فالاختزان الطويل بلا غاية عملية مضرة بكيان الإنسان.
والعمل التطوعي يمارس دوره في تفريغ الطاقات، عبر مجالاته المختلفة والمتنوعة؛ فكل مجال له حاجته من المجهود والطاقة البدنية، فينخرط المتطوع في تلك الأعمال التطوعية، وقد أفرغ طاقته فيها؛ عبر مجهود بدني مناسب. ومن ثم نجد أن العمل التطوعي قد ساهم بمصرف طبيعي لتفريغ الطاقة؛ وهو ما يجعل المتطوع يعيش سكينة النفس، وطمأنينة القلب، ويتنعم بالصحة النفسية؛ فليس ثمة طاقة مختزنة تعكر سعادته.

4 - شغل أوقات الفراغ:
كثيرا ما يعيش الشباب اهتمامات غير جادة، ويتعلق باللهو العابث (وربما المحرم)؛ لذلك فالأولى غرس الاهتمامات والقضايا الجادة لديهم؛ فينصرفون تلقائيا عن التعلق باللهو والعبـث الفارغ إلى الأمور الجادة. ومن ذلك - مثلا -: أن يمارس الشباب بعض الأعمال التطوعية؛ إذ فيها متسع ومساحة واسعة لملء الفراغ الذي يعانيه كثير منهم؛ وذلك باستقطاع أيام وساعات من برنامجه اليومي؛ ليشارك في هذه الأعمال التطوعية حسب تخصصه وميوله.

5 - الرضا والطمأنينة النفسية:
يجد المتطوع أثناء قيامه بعمله التطوعي وبعده مشاعر من الرضا عن النفس، والراحة النفسية بما قدمه من مساعدة للآخرين، وهذه السعادة والطمأنينة هي مطلب جميع البشر؛ فهم يبحثون عن كل ما يزيل عنهم الغم والهم، (ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسان إلى الخلق، في القول والفعل بأنواع المعروف).

6 - توجيه العواطف وضبطها:
إن العاطفة مهمة للإنسان في حياته؛ لأنها تدفعه إلى فعل الأشياء التي يتعاطف معها، وتدفعه إلى ترك الأشياء التي يكرهها بدافع داخلي. بشرط: أن تكون العاطفة وراء العقل، وأن يكون العقل قائدها؛ فالنفس لا بد أن تتجه بعواطفها: إما للخير أو للشر، وهذا ما يساهم فيه العمل التطوعي الخيري؛ حيث يساهم في توجيه العواطف الوجهة الصحيحة.

7 - تعالج الأمراض النفسية والجسدية:
إن في الأعمال التطوعية تربية ذاتية نفسية للمتطوع؛ حيث يؤدي ذلك إلى الصحة النفسية؛ ففي العمل التطوعي علاج لقسوة القلب. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك، وتدرك حاجتك[صحيح الجامع: 80]. وفي رواية: إذا أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم[مسند الإمام أحمد: 2/263]

8 - يساهم في تهذيب الأخلاق:
للأخلاق منزلة عظيمة في التصور الإسلامي، والمتأمل في النصوص الكثيرة الواردة في فضل الأخلاق ومكانتها تدله على ذلك. يقول - صلى الله عليه وسلم -: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا[رواه البخاري]، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق[صحيح أبي داود].
والعمل التطوعي يساهم في تهذيب أخلاق المتطوع وتحسينها؛ وذلك من خلال مخالطة الناس، ومعايشتهم إبان عمله التطوعي. يقول - صلى الله عليه وسلم -: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم[صحيح الجامع:6651]؛ ففي قوله: (ويصبر على أذاهم) نوع من تحسين المتطوع لذاته، وتهذيبه لخلقه وسلوكه.
ــــــــــــــ
المصدر: (البيان: عدد270)

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة