التجويد علماً وتطبيقاً

1 2137

كان القرآن الكريم وما يزال هدى الأمة الذي اهتدت به في درب حياتها، فمنه استمدت قوتها وحيوتها، وبالاعتصام بحبله كانت عزتها وكرامتها، وهو سيظل مصدر قوتها وعزتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ولقد اجتهد المسلمون -ولا يزالون- في خدمة القرآن الكريم، اجتهادا لم يحظ به كتاب آخر، حفظا وكتابة وجمعا، فأنشؤوا المعاهد ودور العلم الخاصة بتعليمه وتحفيظه جيلا بعد جيل، كل ذلك تصديقا وتحقيقا لقوله تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9).

وكان المسلمون الأوائل -لسلامة فطرتهم وسليقتهم العربية الصحيحة- يتلون كتاب ربهم تلاوة مجودة، كما تلقوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه وبعد اختلاط العرب بالعجم، ودخول عدد كبير من العجم في دين الإسلام، بدأ اللحن يتسرب إلى الألسنة، وبدأت العجمة تفشو في كلام الناس، فهب العلماء لوضع قواعد تضبط قراءة القرآن الكريم قراءة صحيحة وسليمة، واعتبروا مراعاة تلك القواعد عند قراءة القرآن فرض عين على كل قارئ لكتاب الله الكريم.

وكان مما عني به المسلمون من علوم القرآن علم التجويد، الذي هو من أشرف العلوم وأجلها، إذ بمعرفته تعرف القراءة الصحيحة لكتاب الله، وبالجهل به يكون الجهل بكتاب الله. 

وقد بحث علماء التجويد في هذا العلم، أحكام التلاوة من إظهار وإقلاب وإدغام وإخفاء، وصفات الحروف ومخارجها، ونحو ذلك من الأبحاث التي تكفلت كتب علم التجويد ببيانها.

وقد قسم علماء التجويد التلاوة القرآنية إلى ثلاثة أقسام: 

الأول: الترتيل: وهو القراءة بتؤدة واطمئنان، مع إعطاء الحروف حقها ومستحقها، من المخارج والصفات.

الثاني: الحدر: وهو سرعة القراءة.

الثالث: التدوير: وهو التوسط بين الترتيل والحدر.

والأحكام التجويدية ينبغي أن تلحظ في هذه الأقسام الثلاثة، ولا ينبغي تفويت شيء منها، في أي قسم من هذه الأقسام.

وكم هو جميل -القارئ الكريم- وحسن أن نقرأ كتاب ربنا كما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما قرأه صلى الله عليه وسلم على صحابته الكرام، وكما أقرأه أصحابه الكرام لتابعيهم، إلى أن وصل إلينا محفوظا بالسند الصحيح، مبرأ من كل عيب وتلويث.

وبالمقابل لا عذر للمسلم أن يهجر كتاب ربه، أو أن يعرض عن تلاوته وقراءته القراءة الصحيحة، بعد أن هيأ الله له من الوسائل والأسباب ما يستطيع معها تعلم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم.

ولا يفوتنا هنا أن نذكر بأمور ثلاثة:

الأول: أن التلاوة الصحيحة تعين القارئ لكتاب الله على فهمه الفهم الصحيح، أما القراءة غير الصحيحة فلا تأتي بالفائدة المرجوة، ومن هنا كان تعلم أحكام التجويد أساسا لقراءة القرآن الكريم.

الثاني: أن هناك فرقا بين تعلم أحكام التجويد ومعرفتها من جهة، وبين تطبيقها التطبيق الصحيح من جهة ثانية، وأن العلم والمعرفة شيء، والتطبيق والممارسة شيء آخر. ومع أن تعلم علم التجويد ومعرفته وسيلة وسبب للتطبيق، إلا أن الأمر المهم هنا، تطبيق تلك الأحكام حال قراءة القرآن. وليس كل مكلف مطالب بمعرفة علم التجويد معرفة تامة، بل المطلوب والمهم، قراءة القرآن قراءة صحيحة، وهذا يكون عن طريق تلقي القرآن الكريم عن أهله، والقراءة عليهم، ثم لا حرج عليك بعد ذلك إن لم تكن على معرفة تامة بتفاصيل علم التجويد.

الثالث: ينبغي أن لا يغيب عنا، أن المقصد الأساس من تلاوة القرآن، التدبر والفهم والعمل، فلا يكن قصدك من القراءة الإتيان بالأحكام التجويدية فحسب، وإنما عليك أن تعلم أن تلك الأحكام وسيلة، وطريق لفهم القرآن حق فهمه، ومن ثم العمل بما جاء به من أحكام وإرشادات. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة