اجتهد قبل الفوات

1 1355

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

فإن الله تعالى جعل هذه الدار الدنيا ميدان عمل وتنافس ، كما قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)(الملك: من الآية2)

وقال: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) (التوبة:105)

فهذا هو الهدف من إيجادنا في هذه الدار أن نقوم بعبادة الله تعالى وطاعته : (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) (الذاريات:56)  فمن قام بما وجب عليه هنا وجد واجتهد وأتعب نفسه في طاعة الله تعالى استراح هناك مع المنعمين المكرمين في جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،كما قال تعالى: (فأما من ثقلت موازينه. فهو في عيشة راضية) (القارعة6-7)

وقال: (فأما من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حسابا يسيرا. وينقلب إلى أهله مسرورا) (الانشقاق:7-9)

وقال: (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون) (المؤمنون:102)

وقال: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه. فهو في عيشة راضية. في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية)(الحاقة:19-24).

وعلى الجانب الآخر تجد من فرط هنا وأعرض عن طاعة مولاه نادما هناك حيث لا ينفع الندم : (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره. فسوف يدعو ثبورا. ويصلى سعيرا) (الانشقاق:10-12).

وقال: (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية. ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيه) (الحاقة:25-29)

يوم الحسرة

لقد سمى الله يوم القيامة بيوم الحسرة ؛ حيث تعظم حسرات الغافلين المعرضين اللاعبين: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) (مريم:39)

إنهم هناك يتحسرون ويتأسفون لكن فات وقت الندم: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) (الفرقان:27-29)

  وقال: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون) (الأنعام:31)

 وقال عن حسرة الواحد من هؤلاء (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) (الفجر:24)

بادر قبل الندم

وحتى لا يندم العبد هناك فقد دعاه مولاه لليقظة هنا واستثمار عمره ووقته وأنفاسه فيما يقربه من رضوان ربه تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم  لا تشعرون. أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين)  (الزمر53-58)

لقد حذرنا الله تعالى هجمة الموت والانتقال إلى الدار الآخرة في ظل لهو وغفلة مستحكمة : (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون. وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين. ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) (المنافقون:9-11)

احرص على الخير ولا تفرط

لقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: " من تبع جنازة فله قيراط من الأجر " فقال عبد الله رضي الله عنه: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.وما ذاك إلا لحرصه رضي الله عنه على الخير.

حتى أهل الجنة

نعم فبعض أهل الجنة حين يرون النعيم والكرامة التي أعدها الله تعالى للعاملين بطاعته يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليستزيدوا من الصالحات التي ترتفع بها درجاتهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهيد فقال: " ما أحد يدخل الجنة ، يحب أن يرجع إلى الدنيا ، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة" ( رواه البخاري) وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أمته الحرص على الخير والازدياد من الأجر حين يقول : " والذي نفسي بيده ، وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا". ( رواه البخاري).

أياما معدودات

ولقد مضى حتى الآن من رمضان أكثر من ثلثيه وربما لم يشعر بذلك كثير من الناس وبالتأكيد عتق كثير من الناس من النار فهل نحن منهم؟! فحري بنا أن نجتهد فيما بقي من رمضان فربما كان فيما بقي من الليالي ليلة القدر التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه عسى أن يمن الله تعالى علينا بالعتق من النار ويجعلنا من المغفور لهم في أيام رمضان ولياليه ، فإذا ما تعبت الأجساد فليتذكر العبد حلاوة الأجر والكرامة يوم يتحسر المفرطون ويفرح المجتهدون ، لما قيل لبعض المجتهدين في طاعة الله تعالى: لو أرحت نفسك، قال: راحتها (أو كرامتها) أريد.اللهم وفقنا للإحسان فيما بقي من رمضان ومن أعمارنا واختم لنا بما يرضيك ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة