الازدواج الفكري

1 884

هناك أمور كثيرة  يعتبر التوسط فيها ضربا مـن الخيال؛ فمثلا لا يمكن الوقوف على مسافة واحدة بين الإيمان والإلحاد، فلا يمكنك أن تكون نصف مؤمن ونصف ملحد، أو أن تكون صادقا كاذبا، أو تقيا فاجرا. هذه متناقضات تناقض الموت والحياة.
وينعدم اللون الرمادي في مثل هذه الأمور: فإما أن تختار الأبيض فتكون رافضا للأسود، أو الأسود فتكون رافضا للأبيض.
إنه لضرب من العبث أن تحاول الجمع بين الاثنين، تماما كمن يستخدم القسمة ليحصل على ناتج الضرب، أو يعمل عمل أهل النار ويريد دخول الجنة.
لا يمكن أن تحمل الولاء لمبدأين متضادين فترة طويلة، وإذا حصل ذلك فأنت تخادع نفسك.

لا بد أنك تخادع في أحدهما؛ لأنهما ببساطة لا يجتمعان، والأسـوأ أن تكون مخادعا في كليهما.

إن اختيار مسـار بين المسارين في مثـل هذه الأمـور لا يقل سوءا عن اختيار المسار السيئ، بل قد يكون أسوأ؛ فالمنافقون - مثلا - في الدرك الأسفل من النار.

أحيانا لا يكون لدى المرء تناقضات أو تضادات أساسية لكن يكون لديه خلط في ترتيب مبادئه؛ فيحدث خلل عند التطبيق؛ فكل فرد منا - على سبيل المثال - لديه عدة ولاءات: لدينه، ووطنه، وقبيلته، ونفسه... إلخ.

وإذا لم يكن لديه ترتيب لهذه الولاءات، فإنه يكون عرضة لقرارات خاطئة، ولو كانت ولاءاته مرتبة لـما حدث لديه إشكال في التطبيق؛ فالولاء للدين - مثلا - يجب أن يقدم  ويكون حاكما على ما سواه.

إذا تمكن المرء من ترتيب مبادئه والتخلص من أي ازدواج فيها، يكون قد خطا خطوة كبيرة في سبيل تحقيق الانسجام الفكري والنفسي لديه؛ والفرق شاسع بين بناء فكري منسجم، وآخر ما هو إلا كومة من المبادئ والسياسات المتناقضة: الأول قوي يمكن لصاحبه الاعتماد عليه، والآخر ضعيف، وأي بناء عليه يعني ركاما أكثر تعقيدا.

وبقدر انسجام مبادئ المرء تكون راحته النفسية، وتكون قوة طرحه.

وبقدر قبوله بالمتناقضات يكون اضطراره للتسطيح وتكون أعماله غير معبرة عما يحمل أو يود أن يحمل من قيم.

لكل ذلك رتب مبادئك، وتخلص من أي ازدواج فيها، وتذكر أن أي ازدواج في اتجاه الرؤيا يعني حولا في النظر، وأي ازدواج في المبادئ يعني حولا في التفكير.
______________
مجلة البيان العدد 282  بـ"تصرف"

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة