لكم دينكم ولي دين

0 1422

 حاولت قريش من خلال أسلوب المساومة، أن يلتقي الإسلام والكفر في منتصف الطريق، وذلك بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه، ويترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض ما هو عليه، قال تعالى: { ودوا لو تدهن فيدهنون } (القلم:9) . فقد رأت قريش أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يصرفه عن دينه ودعوته أسلوب السخرية والاضطهاد والتعذيب، ولا أسلوب الإغراء، فسلكوا معه طريق المساومة والتنازلات، لعله يرجع عما جاء به، أو يتنازل عن بعض الحق الذي يدعو إليه .
 ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد أن ابن هشام روى في سيرته قوله: "  اعترض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالكعبة ـ فيما بلغني ـ الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل السهمي، وكانوا ذوي أسنان(كبار) في قومهم، فقالوا: يا محمد! هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه. فأنزل الله ـ تعالى ـ فيهم: { قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين }(سورة الكافرون الآيات: 1-6).

لقد بينت سورة الكافرون من خلال هذا الموقف بأن طريق الحق واحد لاعوج فيه، إنه توحيد الله، والعبادة الخالصة له سبحانه ، فلا لقاء بين الكفر والإيمان، ولا اجتماع بين النور والظلام، فالاختلاف جوهري كامل، يستحيل معه التنازل عن شيء من الحق لإرضاء الباطل وأهله، ومن ثم كان الرد حاسما على زعماء قريش المشركين، فلا مساومة، ولا مشابهة، ولا حلول وسط ، فالكفر كفر ، والإيمان إيمان، والفارق بينهما بعيد ، والسبيل الوحيد للالتقاء هو الخروج من الكفر إلى الإسلام، وإلا فهي البراءة التامة، والمفاصلة الكاملة، بين الحق والباطل، والإيمان والكفر : { لكم دينكم ولي دين }(الكافرون:6) .

وجاء وفد آخر بعد فشل الوفد السابق، يتكون من عبد الله بن أبي أمية، والوليد بن المغيرة، ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس، والعاص بن عامر، ليقدم عرضا آخر للتنازل عن بعض ما في القرآن، فطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزع من القرآن ما يغيظهم من ذم آلهتهم، فأنزل الله ـ تعالى ـ قوله: { وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءان غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم }(يونس الآية:15) .
 
لقد واجه المشركون دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأساليب مختلفة، ووسائل متنوعة للصد عن سبيل الله، وقد باءت تلك الوسائل والأساليب بالفشل الشديد، فلجؤوا إلى أسلوب المساومة والتنازلات، فكان موقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو عدم قبولها أو مجرد مناقشتها،ليكون ذلك درسا للصحابة ـ ولنا من بعدهم ـ في الثبات على العقيدة، والتمسك بالمبادئ، فلا تساهل أو تنازل في أمور التوحيد و ما يتصل به، مهما كانت الأسباب والدوافع، والمبررات والإغراءات ..
 
وفي مقابل ذلك، نجد في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحياته مرونة مع المشركين في مواقف أخرى، وفقا لما تطلبته هذه المواقف .
في يوم الحديبية  تتجلى هذه المرونة في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك اليوم: ( والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها )( أحمد ).
و في قبوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكتب في عقد الصلح بينه وبين قريش: باسمك اللهم، بدل بسم الله الرحمن الرحيم، وهي تسمية رفضتها قريش، ثم قبوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الشروط ما في ظاهره إجحاف بالمسلمين، و إن كان في باطنه الخير للإسلام والمسلمين ..
 
إن سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأحداثها مدرسة تربوية، لما تحمله بين طياتها من الدروس والفوائد .. فما أحوجنا في ظل هذا الواقع الذي تعيشه أمتنا، أن نقف مع سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنعيش دروسها ومعانيها واقعا عمليا في حياتنا ..

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة