أسلحة الداعية

0 1261

الوعظ والتذكير من أشرف الوظائف التي يمكن أن يشتغل بها عبد من عباد الله, وكيف لا يكون كذلك, وهو وظيفة الأنبياء والمرسلين الذين اختصهم الله –عز وجل- بهذا الفضل المبين, فالدعوة وظيفة أشرف البشر, وكذا أتباعهم من المؤمنين الذين أحبوا دعوة الرسل, وآمنوا بها, وبذلوا ما يملكون في سبيل نشرها, قال -تعالى- آمرا رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم-: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) (يوسف:108), وقال سفيان الثوري -رحمه الله-: "أشرف الناس منزلة من كان بين الله  بين عباده, وهم الأنبياء والعلماء", وقال بعضهم: "إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك".

وحتى تنجح دعوة الدعاة لابد لهم من أسلحة يتسلحون بها, فما هي أسلحة الداعية التي تتم بها مهمته, وتنجو بها دعوته؟؟
1ـ الإخلاص:
وهو أنفع سلاح وأمضاه, فينبغي أن يكون الدافع الوحيد للداعية هو التقرب إلى الله -عز وجل-, وابتغاء وجهه كما أشار إليه قوله -تعالى-: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله) (يوسف:108), فلا تكون دعوته عصبية لجماعة, أو هيئة, أو يدعو لنفسه لا يدعو إلى الله, وبمقدار إخلاص الداعية في دعوته يكتب له القبول والبقاء والنفع في الدنيا والآخرة, فما كان لله دام واتصل, وما كان لغير الله انقطع وانفصل, وقد سمعنا وشاهدنا كثيرا من الدعاة, وكثيرا من الدعوات اندثرت فما بقي لها أثر ولا لأصحابها من خبر: (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا)(مريم:98).
 
والدعوة إلى الله -عز وجل- عبادة يشترط لها ما يشترط لسائر العبادات, وهو الإخلاص؛ قال -تعالى-: (ألا لله الدين الخالص) (الزمر:3), وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه) (رواه النسائي، وصححه الألباني).
 
2- صحة العقيدة وسلامة الفهم:
فلابد أن يكون الداعية مهتديا إلى الحق, وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه, والعقيدة الصحيحة هي عقيدة السلف الصالح - رضي الله عنهم-؛ قال - تعالى-: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) (البقرة:137), وقال - صلى الله عليه وسلم-: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني), والسنة هي ما تركنا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عقائد وأخلاق وأعمال وأقوال, فالدعوة إلى السنة دعوة إلى اعتقاد السلف, وفهم السلف للكتاب والسنة, والالتزام بما كان عليه السلف الصالح من هدي ظاهر, وأخلاق باطنة, وأعمال مرضية, وأقوال زكية.
 
3- العلم والبصيرة:
كما في قوله - تعالى-: (أدعو إلى الله على بصيرة) (يوسف:108), والدعوة إلى الله -عز وجل- عمل, والعلم قبل القول والعمل؛ قال الله -عز وجل-: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) (محمد:19), فبدأ بالعلم.
 
وقال معاذ: "العلم أمام العمل والعمل تابعه", وهذا ظاهر؛ فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلا وضلالا، واتباعا للهوى.
 
والدعوة إلى الله -عز وجل- عبادة, ولابد للعبادة من العلم النافع, فلا يمكن للعبد أن يصلي حتى يتعلم فقه الطهارة والصلاة, ولا يمكنه أن يحج قبل أن يتعلم المناسك, وكذا من تصدر للدعوة قبل أن يتعلم فقه الدعوة, وقبل أن يعرف ما يبثه من أحاديث وآثار هل هي من الصحيح الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, أو من الخرافات والموضوعات؟ وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (متفق عليه), ومن عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح, والبصيرة تختلف من زمان إلى زمان, ومن مكان إلى مكان.

4- الرفق:
قال الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) (آل عمران:159), وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه) (رواه مسلم), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه) (رواه مسلم), وعن جرير قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من يحرم الرفق يحرم الخير) (رواه مسلم).
 
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "يأمر بالرفق والخضوع, فإن أسمعوه ما يكره لا يغضب, فيكون كمن يريد أن ينتصر لنفسه", وقال سفيان الثوري: "لا يأمر بالمعروف, ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر, رفيق بما ينهى, عدل فيما يأمر, عدل فيما ينهى, عالم بما يأمر, عالم بما ينهى".
 
5- سلامة القلب:
فالداعية يحتاج أن يكون قلبه سليما من الشرك, سليما من الشبهات والشهوات, سليما من الغش والحسد والبغضاء للمؤمنين, فإن قيل: كيف يصل الداعية إلى سلامة القلب؟؟
فالجواب: بتعهد الداعية قلبه بالأغذية النافعة: كالذكر والدعاء والاستغفار، وقيام الليل, والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-, وكذا حفظ القلب من سموم المعاصي الضارة: كفضول الكلام, وفضول النظر, وفضول المخالطة, وفضول النوم, وفضول الطعام.
 
6- أن يجتهد الداعية في العمل بما يدعو إليه:
قال رجل لابن عباس - رضي الله عنهما-: "أريد أن آمر بالمعروف, وأنهى عن المنكر, فقال له ابن عباس - رضي الله عنهما-: "إذا لم تخش أن تفضحك هذه الآيات الثلاث فافعل, وإلا فابدأ بنفسك, ثم تلا: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) (البقرة:44), وقوله -تعالى-: (لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) (الصف:2-3), وقوله حكاية عن شعيب -عليه السلام-: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) (هود:88)".
 
قال النخعي - رحمه الله-: "كانوا يكرهون القصص لهذه الآيات الثلاث", وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون أي فلان: ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه) (متفق عليه).
 
7- الصبر والحلم والمداراة:
قال الله –تعالى-: (يا أيها المدثر. قم فأنذر. وربك فكبر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. ولا تمنن تستكثر. ولربك فاصبر) (المدثر:1-7), فابتدأ آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة, وختمها بالأمر بالصبر, وقال -عز وجل- حاكيا عن لقمان أنه قال لابنه: (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (لقمان:17), وقال -عز وجل-: (والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (العصر:1-3), فقدم -عز وجل- التواصي بالحق على التواصي بالصبر؛ لأن التواصي بالحق يحتاج إلى صبر.
 
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الكفر والكافرين, وأعل راية الحق والدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مقال للشيخ أحمد فريد

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة