الفرق العلمية في الحضارة الإسلامية

0 1324

الفرق العلمية أساس جديد غير به المسلمون من نمط وطريقة تفكير العلماء السابقين؛ فلأول مرة في التاريخ يكون المسلمون فريقا علميا متكاملا، فيه أكثر من عالم في أكثر من مجال؛ ليخرجوا لنا في النهاية عملا متكاملا مفيدا، لم يكن ليرى النور إلا باعتماده على أكثر من تخصص من العلوم.

أول فريق علمي في التاريخ:
وينسب إلى   أبناء موسى بن شاكر(محمد والحسن وأحمد) أنهم أول وأشهر فريق علمي جماعي في  التاريخ ؛ حيث كان محمد عالما في الهندسة، وأحمد عالما في الفلك، والحسن عالما في الميكانيكا، وقد ألفوا معا كتاب (الحيل) الذي اتضحت فيه روح الفريق العلمي بشكل مباشر، وتجسد فيه مبدأ العمل الجماعي القائم على المشاركة والتعاون؛ فالكتاب من أوله إلى آخره ينطق بصيغة الجماعة.

ومن قبيل ذلك: "قال محمد والحسن وأحمد: الشكل الأول، نريد أن نبين كيف نعمل كأسا يصب فيه مقدار من الشراب أو الماء، فإن زيد عليه زيادة بقدر مثقال من الشراب أو الماء خرج كل شيء فيه".
 "ونريد أن نبين كيف نعمل جرة لها بزال مفتوح، إذا صب فيها الماء لم يخرج من البزال شيء، فإذا انقطع الصب خرج الماء من البزال، فإذا أعيد الصب انقطع أيضا، وإن قطع الصب خرج الماء، وهكذا لا يزال..".
 "ونريد أن نبين كيف نعمل فوارتين يفور من أحدهما شبه القناة ومن الآخر شبه السوسنة مدة من الزمان، ثم يتبادلان فيخرج من التي كانت تفور قناة سوسنة، ومن التي كانت تفور سوسنة قناة مقدار ذلك من الزمان، ولا يزال على هذا ما دام الماء ملصقا فيها".

وغير ذلك كثير، مما يدل على نضج عقلية أولاد موسى بن شاكر كفريق علمي متكامل، كما تبرز أهمية وقيمة العمل الجماعي، أو فريق العمل في المجال العلمي.
ولا ريب أن هذا التكامل وذاك المزيج من مختلف التخصصات بين هؤلاء الإخوة قد أدى إلى الوصول إلى حقائق علمية كان من الصعب التوصل إليها إلا باشتراك أكثر من عالم في أكثر من تخصص؛ وذلك مثل القياس الدقيق لقطر الأرض، أو صناعة الأسطرلاب الضخم الذي يمكن من حساب حركة الأجرام بدقة كبيرة.
 
على أن هذا الأمر لم يكن مقصورا على هذا الفريق العلمي المتميز، بل تكرر في علوم كثيرة، ووجدنا تعاونا لافتا للنظر بين علماء الطب و الصيدلة والنبات والحيوان، وكذلك بين علماء الجيولوجيا والجغرافيا والفلك، وهكذا.
وقد تجسد ذلك مع  الرازي الطبيب المشهور بين تلامذته؛ فترى ابن النديم يصفه فيقول: "أوحد دهره، وفريد عصره, قد جمع المعرفة بعلوم القدماء وسيما الطب , وكان ينتقل في البلدان... وكان يجلس في مجلسه ودونه تلاميذه, ودونهم تلاميذهم, ودونهم تلاميذ أخر, وكان يجيء الرجل المريض فيصف ما يجد لأول من تلقاه, فإن كان عندهم علم وإلا تعداهم إلى غيرهم, فإن أصابوا وإلا تكلم الرازي في ذلك, وكان كريما متفضلا بارا بالناس, وحسن الرأفة بالفقراء والأعلاء (المرضى)، حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة ويمرضهم".

فكان تلاميذ الرازي بمنزلة فرق علمية، كل فريق منهم يدلي برأيه ودلوه في المسألة المطروحة، حتى يصلون فيها إلى نتيجة، وعلى رأسهم جميعا يجلس الرازي الذي يسمع ويتابع ويصوب، ثم يقف معهم في معضلات المسائل فيبسطها هو معهم!

على أن الأمر لم يكن مقتصرا فقط على العلوم الحياتية، بل رأينا أيضا الفرق العلمية في المجالات الشرعية؛ فرأينا المجامع الفقهية التي تجتمع لبحث قضية معينة مستعينة في ذلك بمجموعة كبيرة من العلماء في مجالات القرآن والحديث والفقه والعقيدة وغير ذلك؛ مما أثرى الحركة العلمية، وأدى إلى سرعة نضوجها.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة