الأدب مع الحبيب صلى الله عليه وسلم

1 1928

أنقذ الله تبارك وتعالى البشرية المتخبطة في ظلمات الجهل والشرك بخاتم رسله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكشف به الظلمة، وهدى به من الضلالة، وعلم به بعد الجهالة، وجعله إمام الهدى إلى قيام الساعة ..
وقد حبا الله تعالى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأخلاق وصفات عظيمة، وأوجب على كل مسلم حبه وتوقيره، فقال تعالى: { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه }(الفتح: من الآية9) . قال السعدي: أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ومن حبه وتعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأدب معه، فالأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أدب مع الله، إذ الأدب مع الرسول هو أدب مع المرسل ـ سبحانه ـ، كما أن طاعة الرسول طاعة لله تعالى، كما قال الله: { من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا }(النساء:80)، فلا يتصور محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع سوء أدب معه، ومن هنا قال ابن تيمية : " إن قيام المدحة والثناء عليه والتوقير له ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله .." .

ويقول ابن القيم : " وأما الأدب مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالقرآن مملوء به ، فرأس الأدب معه كمال التسليم له والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولا، أو يحمله شبهة أو شكا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان، كما وحد المرسل بالعبادة والخضوع، والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما : توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول فلا يحاكم إلى غيره .." ..
ولما كان الأدب سلوكا يتعلق بأعمال الإنسان، والأعمال إما قلبية أو قولية أو فعلية، كان الأدب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لابد وأن يكون أنواعا ثلاثة :
أدب قلبي، وأدب قولي، وأدب فعلي ..

الأدب القلبي:
وهو رأس جميع الآداب، وأصله الإيمان به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتصديقه، وحبه وتعظيمه وتوقيره، مع اعتقاد تفضيله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كل أحد من الخلق، فهو كما وصف نفسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ متحدثا بنعمة ربه عليه، قائلا: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع ) (مسلم) ..
ومما ينتج من اعتقاد تفضيله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استشعار هيبته وجلالة قدره، واستحضار مكانته ومنزلته، وأخلاقه وشمائله، وكل ما من شأنه أن يجعل القلب ذاكرا لحقه من التوقير والتعظيم، والقلب ملك الأعضاء فمتى كان تعظيم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ مستقرا في القلب، فإن آثار ذلك ستظهر على جميع الجوارح ..

أما النوع الثاني للأدب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
الأدب القولي :
وهو ما يتعلق باللسان، واللسان دليل القلب ، والمؤمن كما يتأدب مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقلبه ، فإنه يتأدب معه بقوله ، لأن هذا أمر الله تعالى للمؤمنين، وعلامة من علامات محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
يقول ابن القيم : " من الأدب مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو ويأذن، كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم }(الحجرات:1)، وهذا باق إلى يوم القيامة ولم ينسخ، فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند كل ذي عقل سليم .." .
ومن الأدب القولي معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا ترفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال، فما الظن برفع الآراء والأفكار على سنته وما جاء به؟!، قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون }(الحجرات:2) .

ومن هذا الأدب ـ مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألا نذكره باسمه فقط، بل لابد من زيادة ذكر النبوة والرسالة لقول الله تعالى: { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا }(النور: من الآية63).
ومن الأدب القولي مع الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصلاة عليه، كما أمر الله تعالى بقوله : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }(الأحزاب:56)، فالصلاة والسلام على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أفضل القربات، وأجل الأعمال، ومن مظاهر حبه والأدب معه ..
أما كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - فقد بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين سألوه عن ذلك، وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، فعن كعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( قيل يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟، قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد )(البخاري) .

أما النوع الثالث للأدب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
الأدب العملي :
وهو ما يتعلق بعمل بالجوارح، ويكون بالعمل بشريعته، والتأسي بسنته ظاهرا وباطنا، والتمسك بها والحرص عليها، والدعوة إليها، وتحكيم ما جاء به ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأمور كلها، والسعي في إظهار دينه، ونصر ما جاء به، وطاعته فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

قال القاضي عياض : " اعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعيا، فالصادق في حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }(آل عمران:31) ".

ويقول ابن القيم : " ومن الأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يستشكل قوله، بل تستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يوقف قبول ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على موافقة أحد " ..

ومن ثم لا يتصور ممن يدعي حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأدب معه إلا أن تنطلق جوارحه بطاعته واتباعه، واتخاذه قدوة وأسوة، فليس الأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجرد كلمات مدائح خالية من الاتباع والعمل، بل الأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يكون إلا بمحبة صادقة تستوجب اتباعه فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، واتخاذه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوة في الظاهر والباطن، والعبادات والمعاملات والأخلاق، قال الله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }(الأحزاب: من الآية21) ..
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة