مشاهد من غزوة حمراء الأسد

1 997

من الصعب أن نعتبر غزوة حمراء الأسد حدثا مستقلا عن غزوة أحد ، ولكنها امتداد طبيعي وصفحة أخيرة  للمواجهة التي تمت بين قريش وحلفائها من جهة ، وبين المسلمين من جهة أخرى ، والتي انتهت بتسليم المسلمين راية النصر لخصومهم ، ثمنا لمخالفتهم أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم –  .

وسبب هذه الغزوة هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم – أحس بما يقاسيه أصحابه من مرارة الهزيمة ، وما يشعرون به من إحباط ، فأراد أن يواسيهم في مصيبتهم ، ويمحو اليأس من قلوبهم، ويعيد إليهم روح التفاؤل والثقة.

ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد ، فإن خروج النبي - صلى الله عليه وسلم – بجيش مثقل بالجراح هو خير رسالة للأعداء بأن المسلمين لا زالوا أعزة قادرين على المواجهة ، وأن جراحهم وآلامهم لا يمكن أن تعوقهم عن مواصلة الجهاد والقتال ، وأن فرح المشركين بالنصر الذي أحرزوه لن يدوم طويلا  .

لذا ، استقر رأي النبي - صلى الله عليه وسلم –  على حتمية المواجهة مرة أخرى ، فأصدر أوامره في اليوم التالي لمعركة أحد بالاستعداد لملاقاة العدو ، وأمر بلالا أن ينادي في الناس بضرورة التعجيل ، ولم يكن الأمر عاما لجميع المؤمنين ، بل كان مقصورا على أولئك الذين شهدوا معركة أحد ، تأكيدا لصلابتهم وقدرتهم على مواصلة القتال .

وكان جابر بن عبدالله رضي الله عنه قد تخلف عن غزوة أحد بسبب أمر والده برعاية أخواته ، وشق عليه أن تفوته الفرصة مرة أخرى ، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يستأذنه في الخروج معهم ، فأذن له .

واستجاب المؤمنون لدعوة الجهاد ، وانطلقوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم –  متحملين في ذلك جراحاتهم وآلامهم ، حتى إن بعضهم كان يحمل أخاه على ظهره إذا عجز عن السير ، وسجل القرآن لهم ذلك فقال سبحانه : { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم } ( آل عمران : 72 ) .

وفي الطريق أقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي فعزى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيمن أصيب من أصحابه ، وأعلن دخوله في الإسلام ، ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم – في إسلام الرجل فرصة ذهبية ، يمكن استغلالها في إرهاب قريش وتخذيلها عن القتال ، خصوصا وأنها تجهل إسلامه ، فطلب منه أن يكون عونا لهم على تنفيذ هذه الخطة .

وفي ذلك الوقت ، كان أبو سفيان وقومه يتلاومون فيما بينهم ، كيف يعودون إلى مكة دون أن يقضوا على المسلمين ؟ ، وبينما هم في حديثهم إذ أقبل عليهم ذلك الخزاعي، فسألوه عن حال المسلمين ، فذكر أنهم قد خرجوا بجيش عظيم ، ونفوس غاضبة ، يريدون الانتقام لقتلاهم ، ونصحهم بأن يرجعوا إلى مكة ، وحينها انهارت عزائم المشركين ، وأصابتهم الذلة والمهانة ، فقرروا العودة .

وحاول أبو سفيان أن يغطي انسحابه ، فانتهز فرصة مرور قافلة متوجهة إلى المدينة ، وطلب منهم أن ينقلوا رسالة إلى المسلمين بأنهم قد جمعوا جنودهم وتهيؤوا لقتالهم ، لكن هذا التهديد لم يزد المسلمين إلا إيمانا وثباتا وتصميما على مواصلة القتال ، فامتدحهم الله بقوله : {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} ( آل عمران : 173 ) .

ووصل المسلمون حمراء الأسد، وعسكروا بالقرب من جيش المشركين ، وأقاموا فيه ثلاثة أيام، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بإشعال نار عظيمة من أجل إدخال الرعب في قلوب المشركين .

ولم يحدث بين الفريقين قتال ، لكن المسلمين استطاعوا أن يأسروا رجلا يقال له أبو عزة الجمحي ، وكان شاعرا أسره المسلمون يوم بدر ، ثم أطلقه الرسول - صلى الله عليه وسلم – بغير فداء رحمة ببناته ، واشترط عليه ألا يقف ضد المسلمين ، فلم يحترم الرجل العهد ، وقاتل مع المشركين في أحد ، فلما وقف بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم – رجاه أن يعفو عنه ، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم –  أمر بقتله ، وقال كلمته التي صارت مثلا : ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) رواه البخاري .

وهكذا انتهت أحداث هذه الغزوة ، وعاد النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة منتصرا ، واستطاع أن يحقق أهدافه التي رسمها دون خسائر تذكر ، وصدق الله القائل : { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } ( آل عمران : 174).

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة