الحليم

0 2000

اسم الله (الحليم) من الأسماء العظيمة التي تعكس محبته لعباده ورحمته بهم حينما يزلون ويخطئون، ومع وقفة تبيان لهذا الاسم.

الأصل في الاشتقاق:

الحليم في اللغة هو اسم الفاعل من الفعل حلم، فيقال: حلم يحلم فهو حليم، و(حليم) على وزن (فعيل) وهي من الأوزان الدالة على المبالغة، ولا يتعدى الفعل منها إلا بحرف الجر، فيقال: حلم عن زيد.

والمصدر من هذا الاسم (الحلم)، وله عدة معان، منها: الأناة والعقل، ومن شواهده قوله تعالى: {أم تأمرهم أحلامهم بهذا} (الطور:32) بمعنى: عقولهم، وليس الحلم في الحقيقة العقل، لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل.

والحلم بهذا المعنى نقيض السفه، قال صاحب الفروق اللغوية: "السفه خفة وعجلة، وفي الحلم أناة وإمهال، والسفه في الأصل: قله المعرفة بوضع الأمور مواضعها، وهذا يوجب أنه ضد الحلم، لأن الحلم يقتضي بعض الحكمة".

ومن معانيه: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، لأنه تأن وسكون عند الغضب أو المكروه مع وجود القدرة والقوة، ويقال: هو ترك العجلة والطيش، وأنت ترى أن كل هذه المعاني تدور حول التأني والاحتمال، فكان نوعا من الصبر إلا أن في الحلم الصفح وأمن المؤاخذة.

المعنى الاصطلاحي:

اسم الله الحليم يدل على أنه ذو الصفح والأناة، فلا يستفزه غضب، ولا يستخفه جهل جاهل، ولا عصيان عاص، يقول الإمام الطبري رحمه : " وقوله {حليم} يعني أنه ذو أناة، لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم".

على أن الصفح لا يعد حلما حتى يكون ممن يوصف بالقدرة، فالعاجز عن المعاقبة لا يسمى حليما لأنه مقهور لا يملك دفعا للأذى، فالقدرة إذا من مقتضيات معنى الحلم، ألم تر أن الله يقول في كتابه: { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (النحل:61)، فكان تأخير الله العقوبة للظالمين مع قدرته سبحانه وتعالى الكاملة أن يهلك الناس جميعا، وهذا الاقتران الذي دلت عليه الآية بين الحلم والمقدرة متقرر لدى أهل العلم، ويستدلون عليه بقول الشاعر:


            كل حلم أتى بغير اقتدار  حجة لاجىء إليها اللئام

وقول الآخر:


         لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام

          ويشتموا فترى الألوان مسفرة   لا صفح ذل ولكن صفح إكرام

وثمة معنى آخر يلزم ذكره، وهو من مقتضيات حلم الله سبحانه وتعالى، نقرؤه من خلال تأمل أحوال العاصين للخالق كيف يمدون بالنعم ويرزقون بالأرزاق والأقوات على الرغم من جحودهم وزللهم، فليس الأمر مقتصرا على تأخير العقوبة أو الصفح عن الذنب، وهذا من كمالات حلم الله سبحانه وتعالى، يقول الحليمي: "إنه الذي لا يحبس إنعامه وأفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكنه يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ويبقيه وهو منهمك في معاصيه كما يبقي البر التقي، وقد يقيه الآفات والبلايا وهو غافل لا يذكره فضلا عن أن يدعوه كما يقيها الناسك الذي يسأله وربما شغلته العبادة عن المسألة ".

وحاصل المعنى: أن الله سبحانه وتعالى لا يعجل بالعقوبة على المذنبين مهما تعاظمت ذنوبهم أو أصروا على عصيانهم واستمروا في قبيح فعالهم، ولكن يؤخرهم ويؤجلهم ويمهلهم، ويعطيهم الفرصة تلو الأخرى للتوبة والإنابة.

أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعية:

ورد اسم (الحليم) في كتاب الله إحدى عشرة مرة، تارة مقرونة بالمغفرة كقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم} (البقرة:225)، وتارة مقرونة بالغنى كقوله تعالى: { قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} (البقرة:262)، ومرة بصفة الشكور، قال تعالى: { إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم} (التغابن:17)، وأحيانا بصفة العلم، قال تعالى: { ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم} (الحج:59).

وفي السنة جاءت صفة الحلم في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (إن الله عز وجل حليم حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) رواه النسائي.
 
آثار الإيمان بهذا الاسم:

أولا: تبين مدى النعمة التي أنعم الله بها على عباده العصاة، حيث لم يعاجلهم بالعقوبة رغم استحقاقهم لها، مهما بلغت ذنوبهم من الفظاعة والشناعة والإجرام في حق خالقهم، ولكن يؤخرهم المرة تلو الأخرى:
    

             وهو الحليم فلا يعاجل عبده     بعقوبة ليتوب من عصيان

ثانيا: ظهور كمال الله سبحانه وتعالى، لأن إمهاله لعباده مقرون بكمال قدرته وكمال علمه وكمال غناه عن خلقه، ولم يكن عن ضعف وعجز،: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا} (فاطر:44)، ولم يكن عن جهل بأعمال عباده: {والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما} (الأحزاب:51)، وليس عن حاجة لعباده مقتضية لإرجاء المؤاخذة بالذنب: {والله غني حليم} (البقرة:262).

ثالثا: ظهور صبره سبحانه وتعالى على عباده، وتبين مدى العلاقة بين صفتي الحلم والصبر، فعن  أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس أحد -أو ليس شيء- أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، وإنه ليعافيهم ويرزقهم) متفق عليه، وفي الحديث القدسي: (يقول الله عز وجل: يشتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني ويكذبني، وما ينبغي له أن يكذبني، أما شتمه إياي قوله: إن لي ولدا، وأما تكذيبه إياي، قوله: لن يعيدني كما بدأني) رواه البخاري.

يقول الإمام ابن القيم تعليقا على الحديث السابق: "وهو سبحانه مع هذا الشتم له والتكذيب يرزق الشاتم المكذب ويعافيه، ويدفع عنه ويدعوه إلى جنته، ويقبل توبته إذا تاب إليه، ويبدله بسيئاته حسنات، ويلطف به في جميع أحواله، ويؤهله لإرسال رسله ويأمرهم بأن يلينوا له القول ويرفقوا به".

كما تتجلى رحمته ومغفرته بعباده فلم يعاملهم بما استوجبوه بعصيانهم من تعجيل الجزاء، لكنه يؤخره لمقتضى حلمه وحكمته: {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا} (الكهف:58).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة