البرّ

0 1849

من أسماء الله (البر)، وهذا الاسم له دلالته وارتباطه بالإحسان الإلهي على الخلق والإنعام عليهم في كل حال، والتفكر فيه يورث العبد الذل والخضوع والانكسار بين يديه، والافتقار إليه، ومع وقفة  حول هذا الاسم.

الأصل في الاشتقاق:

البر في اللغة مأخوذة من الفعل بر، يقال: بر يبر فهو بار، وبررت والدي أبرهما، وهو رجل بر بوالديه، وذلك إذا أطاعهما، وهم بررة، وجمع البار: بررة، وجمع البر: أبرار، ومن هذا الباب جاء وصف الأولياء والزهاد والعباد بالأبرار في قوله تعالى: { وما عند الله خير للأبرار} (آل عمران:98)، وكذلك وصفت الأرض هذا الوصف في السنة، فقد جاء في حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (تمسحوا بالأرض –أي عند التيمم-، فإنها بكم برة) رواه الطبراني في المعجم الصغير، والمعنى أن الأرض مشفقة عليكم كالوالدة البرة بأولادها، يعني أن منها خلقكم، وفيها معاشكم، وإليها بعد الموت معادكم.

والبر بكسر الباء: الصدق والطاعة، ويطلق على فعل الخير والإحسان، قال ابن منظور في لسان العرب: "البر ضد العقوق، وكذا المبرة، تقول: بررت والدي بالكسر، أبره برا، فأنا بر به وبار"، وقد ورد لفظ (البر) في قوله تعالى: { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى } (البقرة: 189)، وفي حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: (ليس من البر الصوم في السفر) متفق عليه.

أما البر بضم الباء: الحنطة أو القمح، ومفرده برة بمعنى قمحة، ومن معاني البر: خلاف البحر، والبرية هي الصحراء، سميت كذلك لاتساعها، ويقال: أبر زيد إذا ركب البر، وتطلق أيضا نقيضا لمعنى الفجور.

المعنى الاصطلاحي:

بر الله بخلقه تعني أنه إحسانه إليهم وإصلاح جميع أحوالهم، و(البر) هو الذي لا ينقطع إحسانه عن خلقه، شمل الكائنات بأسرها ببره وهباته وكرمه، فهو مولى الجميل، ودائم الإحسان، وواسع المواهب، وأورد الحافظ ابن حجر تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لهذا الاسم بقوله: " البر: اللطيف".

وفسره الإمام الخطابي بقوله: "البر هو العطوف على عباده, المحسن إليهم, عم ببره جميع خلقه, فلم يبخل عليهم برزقه, وهو البر بأوليائه, إذ خصهم بولايته, واصطفاهم لعبادته, وهو البر بالمحسن في مضاعفة الثواب له, والبر بالمسيء في الصفح, والتجاوز عنه".

وذكر الإمام البيهقي في كتابه الأسماء والصفات عن الحليمي قوله: " معناه الرفيق بعباده، يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر, ويعفو عن كثير من سيئاتهم، ولا يؤاخذهم بجميع جناياتهم, ويجزيهم بالحسنة عشر أمثالها, ولا يجزيهم بالسيئة إلا مثلها، ويكتب لهم الهم بالحسنة، ولا يكتب عليهم الهم بالسيئة".
 
             والبر في أوصافه سبحانه    هو كثرة الخيرات والإحسان

             صدرت عن البر الذي هو وصفه* فالبر حينئذ نوعان

            وصف وفعل فهو بر محسن   مولى الجميل ودائم الإحسان

أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعية:

لم يرد هذا الاسم في القرآن إلا مرة واحدة، وذلك في قوله تعالى: { إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} (الطور:28).

أنواع البر الإلهي:

إذا تأملنا مقاصد هذا الاسم الإلهي العظيم ودلالاته، تبين بجلاء أن بره سبحانه وتعالى بخلقه على نوعين:
البر العام: وهو الإحسان الإلهي الذي وسع الخلائق كلها في البر والبحر، والسماوات والأرض، وما من مخلوق إلا وقد أسبغ عليه نعمه وإحسانه ظاهرا وباطنا، فهيأ له رزقه وقوته، وكساه الجمال وأحسن خلقه، وأعطاه ما ينفعه ودفع عنه ما يضره، بحسب ما تقتضيه حكمته، ومن دلائله قوله تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء} (الأعراف:156)، وقوله تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل:53)، وقوله سبحانه: { الذي أحسن كل شيء خلقه} (السجدة:7).

البر الخاص: وتعني ما خص به المؤمنين المتقين دون غيرهم، بتوفيقهم إلى الطاعة وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، وتثبيتهم على الاستقامة، والأمن والطمأنينة النفسية، والعفو عن السيئات، ومضاعفة الحسنات: { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} (الأعراف:156)، وغيرها من الخصائص التي أكرمهم بها، أما في الآخرة فقد خصهم بالجنة وبرؤيته سبحانه وتعالى: { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (يونس:26)، ويالهما من نعمة. 

آثار الإيمان بهذا الاسم:

أولا: إدراك أن الخالق سبحانه وتعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} (البقرة:185)، ومن التيسير الحاصل لهم مجازاتهم بالعمل اليسير الأجر الكثير، وإثابتهم بمجرد النية الصالحة، وفي المقابل: غفران السيئات ومحوها بالأعمال الصالحة: { إن الحسنات يذهبن السيئات} (هود:114)، ومجازاة السيئة بمثلها، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (من هم بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها، كتبت له عشرا إلى سبع مائة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب، وإن عملها كتبت) رواه مسلم.

أما في الآخرة فالجزاء على السيئات وإنفاذ الوعيد عليها مرتبط بالمشيئة، فإن شاء الرب عذب، وإن شاء تجاوز وغفر، وذاك من عدله وإحسانه.

ثانيا: إمهال الخالق للمذنبين وستره لعيوبهم، قال سبحانه وتعالى: { وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا} (الكهف:58)، : فينبغي على العبد أن يعرف بره سبحانه في ستره عليه حال ارتكاب المعصية، مع كمال رؤيته له، ولو شاء لفضحه بين خلقه، وإذا اشتغل العبد بمطالعة هذه المنة وتذكرها واستحضارها، قوي تعلقه بالله وازداد إيمانه، وهو أنفع له وأكمل من الاشتغال بالجناية، وشهود ذل المعصية، فإن الاشتغال بالله والغفلة عما سواه هو المطلب الأعلى، والمقصد الأسنى، كما يقول الإمام ابن القيم.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة