أحاديث التيمم

1 2573

شرع الله تعالى الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، وجعلها شرطا لصحة الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله، والطهارة إنما تكون بالماء الذي أنزله الله لنا طهورا، إلا أن المسلم قد يتعذر عليه استعمال الماء؛ إما لفقده، أو بعده، أو لمرض يمنع من استعماله، فمن يسر الإسلام وسماحته أنه شرع التيمم بالتراب الطاهر عوضا عن الوضوء أو الغسل، حتى لا يحرم المسلم من بركة العبادة.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت عائشة: فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فما يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته" متفق عليه.

غريب الحديث

التيمم: هو إيصال تراب طهور إلى الوجه واليدين بشروط معينة.

شرح الحديث

التيمم رخصة اختصت بها هذه الأمة المرحومة، لم يشاركها فيها غيرها من الأمم السابقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء) رواه مسلم، وقد شرع الله عز وجل التيمم في السنة السادسة من الهجرة النبوية المباركة، وذلك في غزوة بني المصطلق (غزوة المريسيع)، وثبتت مشروعيته بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.

والتيمم يشرع من الحدث الأصغر (نواقض الوضوء)، ومن الحدث الأكبر (الجنابة والحيض)، يقول الله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة:6].

كيفية التيمم

الكيفية الصحيحة للتيمم هي أن يضرب المسلم التراب بكفيه مفرجتي الأصابع ضربة واحدة (أو يضع كفيه على التراب) ثم يمسح بهما وجهه وكفيه؛ وذلك لحديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كنا في سفر، فأجنبت، فلم أصب الماء [لم أجده]، فتمعكت [تمرغت وتقلبت في التراب حتى يصيب جميع بدني]، فصليت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيك هكذا: فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه) رواه البخاري ومسلم.

أسباب التيمم

يجوز التيمم إذا حصل أحد الأسباب التالية:

1- فقد الماء: يشرع التيمم إذا فقد المسلم الماء ولم يجده، وذلك كأن يكون في سفر ولم يجد ماء، وقد يكون معهماء قليل، ولكنه يحتاج إليه ليشربه أو ليسقيه دوابه، والماء المحتاج إليه للشرب وسقي الدواب يكون في حكم المفقود بالنسبة للطهارة، وقد قال تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [المائدة:6]، ويتيمم أيضا من وجد الماء ولكن على مسافة بعيدة عنه، أو وجده يباع بثمن غال يزيد عن الثمن المعتاد، أو وجده لكن حال بينه وبين تناوله عدو أو حيوان مفترس.

2- تعذر استعمال الماء بسبب المرض: وذلك كأن يخاف إن استعمل الماء حدوث مرض، أو زيادته، أو تأخر الشفاء. ففي هذه الحالات يتيمم، ولا يجب عليه استعمال الماء، وإن كان في بعض بدنه قرح، يخاف التلف من استعمال الماء فيه، فإنه يغسل الجزء الصحيح من بدنه بالماء، ويتيمم للباقي؛ وذلك لما رواه جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلا منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: (قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر (أو يعصب) على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) رواه أبو داود.

3- البرد الشديد: إذا كان البرد شديدا ، وتعذر تسخين الماء وخاف الإنسان على نفسه التلف لو استخدم ذلك الماء في الطهارة، فله والحالة هذه أن يتيمم؛ فعن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟!) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت إني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء:29]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا. رواه أبو داود.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة