علوم الحديث في القرن الثالث

1 2000

هذا هو الدور الثالث من الأدوار التي مرت بها السنة وعلوم الحديث ، ويمتد من القرن الثالث الهجري إلى منتصف القرن الرابع ، والقرن الثالث هو عصر التدوين وهو عصر السنة الذهبي الذي دونت فيه السنة وعلومها تدوينا كاملا .

ففي مطلع هذا القرن ارتأى العلماء إفراد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالتصنيف ، فابتكروا لذلك (المسانيد) التي جمعوا فيها الحديث النبوي مرتبا بحسب أسماء الصحابة ، فأحاديث أبي بكر رضي الله عنه مثلا تجمع كلها في مكان واحد ، تحت عنوان مسند أبي بكر وكذا أحاديث عمر وهكذا .

ثم جاء البخاري فرأى إفراد الحديث الصحيح وأن يرتب على الأبواب لتسهيل الوصول إليه والفقه فيه ، فوضع كتابه الجامع الصحيح ، وجاء بقية الستة فوضعوا كتبهم على الأبواب ، وراعوا حسن الاختيار ، وإن كان أصحاب السنن لم يشترطوا الصحة ، وهكذا كان لمدرسة البخاري الفضل العظيم على السنة بما صنفت في رواية الحديث وفي علوم الحديث ، ثم تبع الشيخين في اشتراط الصحة ابن خزيمة (311هـ) ، ثم ابن حبان (354هـ) .

وفي هذا العصر أصبح كل نوع من أنواع الحديث علما خاصا ، مثل علم الحديث الصحيح ، وعلم المرسل ، وعلم الأسماء والكنى ، وهكذا ، فأفرد العلماء كل نوع منها بتأليف خاص .

وكتب يحيى بن معين (234هـ) في تاريخ الرجال ، ومحمد بن سعد (230هـ) في الطبقات ، وأحمد بن حنبل (241هـ) في " العلل ومعرفة الرجال ".. والناسخ والمنسوخ ، ونبغ في التأليف والكتابة الإمام العلم علي بن عبد الله المديني (234هـ) ، شيخ البخاري ، فقد ألف في فنون كثيرة جدا ، حتى بلغت مؤلفاته المائتين ، وكان له السبق في تصنيف كثير منها ، حتى قيل : إنه ما من فن من فنون الحديث إلا ألف فيه كتابا .

وأصبح التصنيف أمرا متبعا لا ينفك عنه إمام في الحديث ، والأئمة أصحاب الكتب الستة كلهم لهم تآليف كثيرة في علوم الحديث ، وكذلك فعل غيرهم وكانت تآليفهم تحمل اسم العلم الذي دونت فيه ، حتى شمل التدوين كل نوع من أنواع علوم الحديث ، وجعل في كتاب مفرد ، وصار يقال لهذه العلوم المتفرقة (علوم الحديث ) .

واستوفى العلماء المتون والأسانيد دراسة وبحثا ، واشتهرت الاصطلاحات الحديثية لكل نوع من أنواع الحديث واستقرت بين العلماء ، كما يلاحظ ذلك من كتاب الترمذي وغيره .

لكن لم يوجد في هذا الدور أبحاث تضم قواعد هذه العلوم ، وتذكر ضوابط تلك الاصطلاحات ، اعتمادا منهم على حفظهم لها وإحاطتهم بها ، سوى تأليف صغير هو كتاب " العلل الصغير " للإمام الترمذي (279هـ) فإنه وإن جعله مؤلفه خاتمة لكتاب الجامع ، فقد أفرده بالتحديث ، وحمله عنه العلماء جزءا مستقلا ، لما اشتمل عليه من الفوائد ، وهو كتاب جامع لمهمات من المسائل في الجرح والتعديل ، ومراتب الرواة ، وآداب التحمل والأداء ، والرواية بالمعنى ، والحديث المرسل . وتعريف الحديث الحسن ، وتعريف الحديث الغريب وشرح هذا التعريف .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة