مثَل الوالي السيئ

2 2088

عن الحسن البصري أن عائذ بن عمرو رضي الله عنه -وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- دخل على عبيد الله بن زياد فقال: "أي بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن شر الرعاء الحطمة), فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم" رواه مسلم.

غريب الحديث

الرعاء: جمع راع، والمراد هنا: الأمراء.

الحطمة: صيغة مبالغة من الحطم، وأصل الحطم كسر الشيء اليابس، والحطم: السواق بعنف كأنه يحطم بعض الإبل ببعض أو العنيف برعاية الإبل في السوق، وسميت جهنم الحطمة لحطمها ما يلقى فيها، فإنها تكسر العظم بعد أكل اللحم، ويقصد به هنا: المفسد من الولاة الذي لا يرفق برعيته.

النخالة: استعارة من نخالة الدقيق وهي قشوره, والنخالة والحقالة والحثالة بمعنى واحد.

شرح الحديث

يروي لنا الصحابي الجليل عائذ بن عمرو رضي الله عنه -وكان ممن شهد بيعة الرضوان- مثلا ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لوالي السوء، ذكر فيه أهم صفة من صفاته.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شر الرعاء الحطمة) يعني أن أشر أنواع الولاة الحطمة، الذي يضرب الناس ولا يرحمهم، وهو مأخوذ من الحطم أو الحطم، فيقال: راع حطمة، إذا كان قليل الرحمة بالماشية، وهكذا الذي يكون قليل الرحمة برعيته من الناس، يقال له راع حطمة، وهو الذي يسوق رعيته سوقا شديدا عنيفا لا رفق فيه، ويأخذهم بالشدة.

يقول الحسن البصري -كما في إحدى الروايات عند الطبراني- : قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره معاوية رضي الله عنه، فقدم غلام سفيه حدث السن يسفك الدماء سفكا شديدا -هذا وصفه لعبيد الله بن زياد- قال: وفينا عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد العشرة الذين بعثهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمون أهل البصرة، فدخل عليه داره -أي دخل عبد الله بن مغفل على الأمير عبيد الله بن زياد داره- في يوم الجمعة، فقال له: انته عما أراك تصنع، فإن شر الرعاء الحطمة، فقال: وما أنت إلا من حثالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وهل كانت فيهم حثالة، لا أم لك! كانوا أهل بيوتات وشرف ممن كانوا منهم، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يبيت إمام غاش لرعيته ليلة، إلا حرم الله عز وجل عليه الجنة) فخرج -أي عبد الله بن مغفل رضي الله عنه- حتى أتى المسجد، فجلس فيه ونحن قعود حوله، ونحن نعرف في وجهه ما قد لقي منه، فقلنا: يغفر الله لك يا أبا زياد، ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رءوس الناس؟ فقال: إنه كان عندي خفي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحببت أن لا أموت حتى أقوم علانيته، فوددت أن داره وسعت أهل البصرة فاجتمعوا فيها حتى يسمعوا مقالتي ومقالته.

وقفات مع الحديث

- توضيح المثل النبوي: هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للوالي السيئ الذي لا يحسن معاملة رعيته، حيث استعار للوالي الرعي، وأتبعه بما يلائم المستعار منه من صفة الحطم.

- واجب الإمام تجاه رعيته: هذا الحديث الشريف يبين لنا واجب الإمام تجاه رعيته، وهو أخذ الناس بالرفق وعدم سوقهم بالعنف، وفي الحديث الآخر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم: (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه).

ويلحق بذلك أيضا وينطبق عليه: تعامل الأب أو الزوج مع أسرته وأهل بيته، وتعامل المدير مع موظفيه وعماله، وتعامل المعلم مع تلاميذه وطلابه، وكل من كان مسئولا عن جماعة أو قائدا لهم.

- أفضل مراتب الرفق: أعظم ما يكون الرفق سموا حين يكون من القادر على غير القادر، وحين يكون من الراعي على الرعية، فإن الأمة إنما تنظر إلى قائدها نظر الجندي للقائد الذي يقودها إلى حيث النصر، ونظر ركاب السفينة إلى القائد الحريص على أن يتجنب برعيته العواصف والزوابع، وأما حينما يكون الراعي عنيفا شديد السوق للرعية حريصا على ما في أيديهم، طامعا فيه، ينظر إليهم نظر الصائد الذي ينتهز الفرصة لكي يقتنص صيده، عند ذلك سينظر الناس إليه نظر الطير للصائد، ومن ثم يكونون أخوف ما يكونون منه.

- الصحابة صفوة الناس: قال عبيد الله بن زياد لعائذ بن عمرو رضي الله عنه: "اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم": يعني لست من فضلائهم وعلمائهم وأهل المراتب منهم، بل أنت من سقطهم، فكان الرد على تلك الإهانة: "وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم" وهذا من جزل الكلام وفصيحه وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم هم صفوة الناس، وسادات الأمة، وأفضل ممن بعدهم، وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم، وفيمن بعدهم كانت النخالة.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة