مثل الجليس الصالح والجليس السوء

6 2230

جاءت نصوص الكتاب العزيز والسنة المطهرة بالحث على ملازمة الجلساء الصالحين، والتحذير من الجلساء الفاسدين؛ وذلك لما للرفقة والمجالسة من تأثير على الفرد في حياته وسلوكه، فإذا كانت الرفقة صالحة فإنها تقوده إلى الخير وتدله عليه، وإذا كانت سيئة فإنها ستقوده إلى الشر وتدله عليه.

وقد ضرب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثلا لتأثير الرفقة والمجالسة في حياة الإنسان وفكره ومنهجه وسلوكه فيما رواه عنه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة) متفق عليه.

غريب الحديث

يحذيك: يعطيك.
نافخ الكير: الحداد الذي يصهر الحديد وينفخه فيتطاير الشرر.

شرح الحديث

اقتضت حكمة الله عز وجل في خلقه أن جعل الإنسان ميالا بطبعه إلى مخالطة الآخرين ومجالستهم والاجتماع بهم، وهذه المجالسة لها أثرها الواضح فى فكر الإنسان ومنهجه وسلوكه، وربما كانت سببا فعالا في مصير الإنسان وسعادته الدنيوية والأخروية، وقد دل على ذلك الشرع والعقل والواقع.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة) شبه النبي صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك أو الطيب، إما أن يعطيك مسكا أو طيبا على سبيل الهدية أو أن تشتري منه، أو تجد منه ريحا طيبة، وكذلك الجليس الصالح فإنه يسد خلتك ويغفر زلتك ويقيل عثرتك ويستر عورتك، وإذا اتجهت إلى الخير حثك عليه ورغبك فيه، وبشرك بعاقبة المتقين وأجر العاملين وقام معك فيه، وإذا تكلمت سوءا أو فعلت قبيحا زجرك عنه، ومنعك منه، وحال بينك وبين ما تريد.

وأما الجليس السوء فإنه كنافخ الكير (إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة): أي كالحداد الذي يصهر الحديد وينفخه فيتطاير الشرر، فإما أن تحترق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة؛ ولذا تجد الظالم يندم يوم القيامة ويأسف لمصاحبة من ضل وانحرف فكان سببا فى ضلاله وانحرافه، يقول الله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا} (الفرقان: 27-29).

وقد أحسن من قال:

عن المرء لا تسل وسل عـن قرينـه فـكـل قريـن بـالـمقـارن يقتـــــــــــدي

إذا كنت فـي قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

ومن أكثر المواقف التي سجلها التاريخ في تأثير الصحبة والمجالسة، ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: (يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فتأمل كيف أثر هذان الجليسان على جليسهما وقرينهما الثالث؛ فصداه عن قول كلمة التوحيد التي لو قالها لحاج له بها النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه.

قال الحافظ ابن حجر: "وفي الحديث النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما".

وقد حصر الإمام ابن القيم أنواع الأصدقاء فقال: "الأصدقاء ثلاثة، الأول: كالغذاء لا بد منه، والثاني: كالدواء يحتاج إليه وقت دون وقت، والثالث: كالداء لا يحتاج إليه قط"، فالأول هو الجليس الصالح، والثالث هو الجليس السوء، والثاني هو الجليس الذي به بعض صفات السوء ولكن يرتجى منه الخير.

ونختم بما ورد عن الإمام مالك بن دينار في شأن الصحبة وتأثيرها، حيث قال: "إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الخبيص مع الفجار".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة