غدًا تشرق الشمس

1 944

ذكر ونستون تشرشل في كتابه شماعة القدر قصة عجيبة وقعت للقائد الشهير مونتغمري وهو يغادر إنجلترا متوجها إلى إفريقيا لتولي قيادة الجيش الثامن وبرفقته في السيارة رئيس الأركان القائد إسماي وكان مونتغمري يحدثه أثناء الطريق وبنوع من الإعجاب عن جندي كانت له مغامرات جريئة وحيل ، وكرس وقته وحياته لعمله, وقضى سنوات طويلة في الدراسة وتطوير ملكاته الجسدية والعقلية، ثم ابتسم له الحظ وتذوق طعم النجاح, وسنحت له الفرصة ليكون قائدا عظيما بعد أن أحرز النصر لجيشه وأصبح مشهورا وقائدا عالميا، ثم تغير الحظ فجأة وانقلبت حياته رأسا على عقب، وهزم هزيمة قاضية حطمته ودونت اسمه في قائمة القادة العسكريين الفاشلين.

استاء إسماي مما سمع فاعترض على مونتغمري قائلا: لكن الوضع يختلف ولا يصلح أن نتعامل مع كل الأمور من منظور سيئ، إننا نشكل جيشا رائعا في الشرق الأوسط وما يحدث هناك لا يعني أنك مقدم على كارثة.
عندها انتفض مونتغمري وجلس منتصبا وصاح به ماذا ؟ ماذا تقصد ؟
إني كنت أتحدث عن روميل.

لقد كان مونتغمري ذاهبا لمواجهة واقع خطير, ويتضح ذلك إذا علمنا أن روميل لم يكن قد هزم حتى تلك اللحظة في أية معركة من المعارك التي خاضها.

أما الوضع في ساحة المعركة فكان كالتالي: كان الجيش البريطاني يواجه الكثير من المشكلات، وهزم أكثر من مرة على يد رومل مما اضطره للانسحاب والتقهقر فأصاب الجيش الإحباط وانخفاض الروح المعنوية إلى أن وصل مونتغمري فحقق النصر التاريخي في معركة العلمين, وهزم القائد الألماني الكبير رومل.
لقد كان مونتغمري يمتلك توجها ذهنيا إيجابيا وتفاؤلا كبيرا كان أهم أسلحته في هذه المعركة الحاسمة في تاريخ البشرية.

إن التفاؤل يعني الإصرار على التقدم دائما رغم المعوقات ويعني الإصرار على التحرر من المقلقات المتوهمة والتعالي على الشعور بعدم الأمان والإحباط, إنه الإصرار على الحفاظ على النظرة الإيجابية والتمسك بالأمل بغض النظر عن صعوبة الظروف الخارجية.

إن امتلاك الإنسان للتفاؤل والتوجه الذهني الإيجابي يجعل تفكيره أشبه ما يكون بفرشة ألوان يمكنها أن تلون كل شيء في حياته بألوان مبهجة مليئة بالحيوية وتصنع من الواقع الكئيب تحفة فنية. فالمتفائل يذوق طعم النصر قبل حدوثه والمتشائم يتجرع مرارة الهزيمة قبل وقوعها, بل ربما يتجرع مرارة هزيمة لن تقع أصلا.

إن الفارق بين العقبة والفرصة يكمن في الزاوية التي ننظر من خلالها للأمور، فالمتفائل يرى في كل مشكلة فرصة، بينما المتشائم يرى في كل فرصة مشكلة.

والحياة بطبيعتها تصيب كلا من المتفائل والمتشائم بنفس المآسي والآلام, وتضع أمامهما نفس العقبات، ولكن المتفائل يواجهها بشكل أفضل وينهض بسرعة من أية هزيمة, ثم يبدأ الكرة من جديد، بينما المتشائم يستسلم من أول مواجهة ويسجن نفسه في بوتقة اليأس والإحباط والتعاسة وتحطيم الذات والمشاعر السلبية.

إن أخطر ما يواجه أي إنسان أن يقوم بهزيمة نفسه بنفسه من خلال تشبعه بتفكير سلبي متشائم، فلكل منا في هذه الحياة معركته الخاصة والمشاكل والتحديات وحتى الأعداء الذين يجب عليه أن ينتصر عليهم، وأقوى وأكبر سلاح بعد الإيمان بالله هو امتلاك روح إيجابية متفائلة بالنجاح والنصر ومليئة بالأمل المشرق.

إننا يمكن أن نعرف إن كنا نمشي في طريق النجاح أم لا من خلال المشكلات التي نواجهها, لأن طريق النجاح دائما يكون صعودا إلى الأعلى, فإذا وجد الإنسان أنه يسير في طريق ليس فيه مشكلات فهذا دليل على أن طريقه لا يؤدي إلى شيء.

لقد أثبت الكثير من الدراسات الحديثة حقيقة مهمة, وهي أن امتلاك التفاؤل أكثر أهمية في حياة الشخص من تعليمه وخبراته الخاصة وأمواله وكل نجاحاته السابقة التي حققها، وهي بكل تأكيد أهم من مظهره الخاص، والأمر الأكثر أهمية الذي أثبتته هذه الدراسات أن التفاؤل صفة يمكن اكتسابها.

يقول الشاعر:
وإني لأرجو الله حتى كأنني     أرى بجميل الظن ما الله صانع

ففي غزوة الأحزاب حين أحدقت بالمسلمين الأخطار من كل جانب، كما قال تعالى: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}(الأحزاب:10)، في تلك الظروف اعترضت حفر الخندق صخرة شديدة عجز عنها المسلمون, وهنا يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم دروسا في التفاؤل بالغد المشرق، ضرب الصخرة فانفلقت فقال: "الله أكبر، قصور الروم، ورب الكعبة، ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال: الله أكبر، أعطيت قصور فارس، ورب الكعبة". وأما المنافقون فقالوا: يعدنا محمد بكنوز قصور فارس والروم وأحدنا لا يأمن على خلائه.
وبعد أعوام قليلة صدق ما وعد الله ورسوله وكذب المنافقون وفتحت قصور فارس والروم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة المصريون

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة