من صام رمضان إيمانا واحتسابا..

0 837

امتن الله جل وعلا على عباده بمواسم فاضلة، تتضاعف فيها الحسنات، وتتنزل فيها الرحمات، وتصفد فيها الشياطين، فيا سعادة من أحسن استغلال تلك المواسم لسد الخلل واستدراك النقص وتعويض ما فات.

وما من موسم من هذه المواسم الفاضلة إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف الطاعة، يتقرب بها العباد إليه، وله فيها لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته.

ولا شك أن الصيام في رمضان هو أعظم وظيفة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى في هذا الشهر الفضيل، كما أنه فرصة لمغفرة جميع الذنوب السابقة، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه).

في رحاب الحديث

- (من صام رمضان) أداة الشرط وفعله، وهذه صيغة من صيغ العموم، تعم كل من صام رمضان، رجلا كان أو امرأة، (إيمانا): المراد بالإيمان، كما قال الحافظ ابن حجر: "الاعتقاد بفرضية صوم رمضان"، (واحتسابا) الاحتساب: هو طلب الأجر ورجاء الثواب من الله تعالى، يقول الإمام الخطابي: "احتسابا، أي: عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، طيبة نفسه بذلك، غير مستثقل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه"، (غفر له ما تقدم من ذنبه) هذا هو جواب الشرط؛ فمن صام رمضان على الوجه المطلوب شرعا، مؤمنا بالله وبما فرضه الله عليه، ومنه عبادة الصيام، ومحتسبا للثواب والأجر من الله، فإن المرجو من الله أن يغفر له ما تقدم من ذنوبه.

- كيفية تحقيق الإيمان بالصيام والاحتساب فيه: بين الإمام النووي ذلك في قوله: "إيمانا: تصديقا بأنه حق مقتصد فضيلته، واحتسابا: أنه يريد الله تعالى، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص"، ويقول الإمام المناوي: "إيمانا: تصديقا بثواب الله أو أنه حق، واحتسابا: لأمر الله به، طالبا الأجر أو إرادة وجه الله، لا لنحو رياء، فقد يفعل المكلف الشيء معتقدا أنه صادق، لكنه لا يفعله مخلصا، بل لنحو خوف أو رياء".

- ذكر في الحديث أن الصيام يكفر الله به ما تقدم من الذنوب، فهل المقصود بتكفير الذنوب أنه يكفر الذنوب جميعا صغائرها وكبائرها، أم الصغائر فحسب؟ المعلوم من كلام أهل العلم: أنه لا تكفر سوى الصغائر، وأما الكبائر فلا بد لها من التوبة، وقد حكى الإمام ابن عبد البر إجماع المسلمين على ذلك، واستدل عليه بأحاديث، منها ما جاء في "الصحيحين" من قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة