الشفاعة والطريق إلى تحصيلها 2-2

2 3677

تحدثنا في جزء سابق عن استحقاق أهل التوحيد لنيل الشفاعة وتحصيلها، ومكانة القرآن الكريم في الشفاعة لقرائه وحفاظه والعاملين بمقتضاه، وهناك أيضا جملة من الأمور التي تشفع لصاحبها يوم القيامة ومن ذلك:

ثالثا: الصيام كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان) رواه الحاكم في المستدرك وصححه.

رابعا: الدعاء عقب الأذان، وذلك بسؤال الله تعالى أن يؤتي نبينا عليه الصلاة والسلام منزلة الوسيلة، وأن يجعل له الشفاعة العامة، ودليل ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة) رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة، حلت له الشفاعة) رواه مسلم.

ومعنى الحديثين السابقين، أن من سأل الله تعالى لنبيه أن يؤتيه منزلة الوسيلة، استحق أن يشفع له النبي عليه الصلاة والسلام، مجازاة لدعائه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فلما دعوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- استحقوا أن يدعو هو لهم، فإن الشفاعة نوع من الدعاء، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية.

خامسا: الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-: ورد في ذلك حديث لأبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة) رواه الطبراني في المعجم الكبير.

سادسا: استيطان المدينة النبوية، والصبر على شدائدها، والموت بها: ودليله ما رواه مسلم في صحيحه، أن مولى المهري جاء أبا سعيد الخدري رضي الله عنه ليالي الحرة، وهي فتنة مشهورة حدثت في ذلك الزمان، كثر فيها السلب والنهب، فاستشاره المولى في الجلاء من المدينة والفرار منها، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها وشدتها، فقال له: ويحك لا آمرك بذلك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لا يصبر أحد على لأوائها، فيموت، إلا كنت له شفيعا - أو شهيدا - يوم القيامة، إذا كان مسلما) وهذا الحديث يقتضي أن فضيلة استيطان المدينة والبقاء بها، باقية إلى يوم القيامة.

سابعا: الصبر على موت الأولاد: جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من الناس مسلم، يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم) رواه البخاري، وقوله: (لم يبلغوا الحنث) يريد أنهم لم يبلغوا أن تجرى عليهم الأقلام بالأعمال.

وعن أبي النضر السلمي رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد، فيحتسبهم: إلا كانوا له جنة من النار)، فقالت امرأة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أو اثنان؟ فقال: (أو اثنان)، رواه مالك في الموطأ.

ثامنا: كثرة من يصلي على من مات من المسلمين: دليله حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه) رواه مسلم.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه مات ابن له فقال لمولاه: يا كريب، انظر ما اجتمع له من الناس -يسأل عن عددهم-، يقول كريب: فخرجت، فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال ابن عباس: تقول هم أربعون؟ قال: نعم، قال: أخرجوه، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: (ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه) رواه مسلم.

تاسعا: الإكثار من الصلاة: ويمكن فهم ذلك من الحديث الذي رواه أحمد، عن خادم للنبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه عليه الصلاة والسلام كان مما يقول للخادم: (ألك حاجة؟) حتى كان ذات يوم، فقال الخادم: يا رسول الله، حاجتي، فقال له: (وما حاجتك؟) قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة، فقال عليه الصلاة والسلام: (ومن دلك على هذا؟)، قال: ربي، فقال –صلى الله عليه وسلم-: (فأعني بكثرة السجود) رواه أحمد.

عاشرا: التوكل على الله عز وجل، وعدم طلب الرقية من الناس، وترك الطيرة والاكتواء: ويمكن فهم مدى ارتباط هذه الأمور بمسألة الشفاعة من خلال حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سألت الله عز وجل الشفاعة لأمتي، فقال لي: لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقلت: يا رب زدني، فقال، فإن لك هكذا: فحثا بين يديه، وعن يمينه، وعن شماله) رواه ابن الجعد في مسنده.

وجاء في حديث آخر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سأل جبريل عليه السلام عن السبب الذي لأجله تجاوز الله تعالى عن حسابهم وعذابهم، فقال جبريل: (كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري.

يقول الإمام السفاريني: "شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه في إدخال قوم من أمته الجنة بغير حساب، فإن هذه خاصة به أيضا -صلى الله عليه وسلم-، كما قال القاضي عياض، والإمام النووي".

فهنيئا لمن جعل الدنيا كساعة، واشتغل فيها بالطاعة، قياما بأمر الحبيب صلى الله عليه وسلم، باذلا كل الأسباب المشروعة لنيل الشفاعة ، جعلنا الله منهم بوجهه الكريم، من غير سابقة حساب أو عذاب.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة