قطر تعيد إحياء مكتبة "الغازي خسرو بك "

1 1545

افتتح سعادة الدكتور غيث بن مبارك الكواري، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية،  المبنى الجديد لمكتبة "الغازي خسرو بك" التي يعود تاريخها إلى عام 1537م وتقع في قلب العاصمة البوسنية سراييفو.
ويشغل المبنى الجديد للمكتبة التاريخية مساحة 7000 متر مربع حيث تم تشييدها بمكرمة من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وبدعم سخي من دولة قطر.
وأقيم بمناسبة الافتتاح الرسمي للمكتبة احتفال ضخم أمس حضره سعادة السيد باكر عزت بيجوفيتش، عضو مجلس رئاسة البوسنة والهرسك، وفضيلة الشيخ حسين كفازوفيتش، رئيس العلماء ومفتي عام البوسنة والهرسك، وسعادة السيد راشد بن مبارك الكواري، سفير دولة قطر لدى سراييفو، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين في البوسنة والمشيخة الإسلامية البوسنية وعدد من الدبلوماسيين المسلمين والعرب وكبار المسؤولين بوزارة الأوقاف.

واستغرق تشييد المبنى الجديد للمكتبة 10 سنوات، وتضم 100 ألف مادة من المخطوطات والكتب المطبوعة والمجلات والوثائق باللغات العربية والفارسية والتركية والبوسنية. وتقع المكتبة في مدينة سراييفو القديمة في منطقة "باش شرشية" ويحيط بها جامع ومدرسة الغازي خسرو بك وسوق المدينة العتيق ذو المعالم التراثية.
وألقى سعادة الدكتور غيث بن مبارك الكواري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية كلمة في حفل افتتاح المكتبة أكد فيها أن دولة قطر بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى تضع من بين أولوياتها بناء الإنسان المسلم وتأهيله ليقوم بدوره في تحقيق النهوض الحضاري للأمة الإسلامية والرقي بالمجتمع الإنساني إلى أفق يسمو فيه الحوار والتعارف ويعمه السلم وتتسع فيه دائرة الخير.
وقال سعادته: إن مكتبة "الغازي خسرو بك" معلمة حضارية استطاعت أن تؤدي رسالتها طيلة 477 عاما، حيث طلب مؤسسها الغازي خسرو بك حفيد السلطان العثماني بايزيد الثاني في وقفية مدرسة الغازي أن تبتاع الكتب المعتبرة وتستعمل في المدرسة ليستفيد بها من يطالعها من المستفدين ومن يستنسخها من المحصلين.
وأشار إلى أن رصيد المكتبة المتنوع ازداد ليشمل تراث كل أهل البلقان بلغاتهم ولهجاتهم وثقافاتهم وأديانهم، وأنه رغم الأزمات التي ألمت بها استطاعت أن تستبدل أمكنة بمكان وأن تصون مكنوناتها النفيسة التي هي ملك لكل الإنسانية ولكل الشعوب التي تتساكن في هذه البلاد عبر مختلف العصور.
واستذكر سعادة وزير الأوقاف المعالم العلمية والمكتبات التي دمرتها الحرب على البوسنة وكل الصروح العلمية في العالم التي تأثرت جراء النزاعات فانمحت معالمها أو كادت تندثر، وكذلك الصروح والمعالم الثقافية والمعالم الحضارية الإنسانية التي يتهددها المصير نفسه حاليا في مناطق النزاع، حيث حلت أصوات الحديد والنار محل أصوات الحكمة والحوار.

وشدد سعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية على أن افتتاح المبنى الجديد لمكتبة الغازي خسرو بك يشكل رسالة الى كل العالم بضرورة حفظ التراث الإنساني لأجيال المستقبل، حيث إن هذا التراث كما هو ملك لنا نصوغ من خلاله رؤانا ونؤكد به هويتنا في إطار من الوعي التام بضرورة التنوع الثقافي والحق في الاختلاف الفكري، هو كذلك ملك لمن سيعمرون الأرض بعدنا من أجيال قادمة يسترشدون به في صوغ رؤاهم ويؤكدون به هوياتهم وينطلقون منه في علاقاتهم مع غيرهم في سياق العلاقات بين الشعوب.
وقال سعادة وزير الأوقاف: إن مكتبة الغازي خسرو بك استطاعت أن تبرز للعالم قيمة التمسك بالتراث ومعنى الحفاظ عليه، حيث نقلت محتوياتها الثمينة خلال سنوات الحرب ما بين 1992 و1995 ثماني مرات، مشيدا في هذا الإطار بأولئك الذين استطاعوا أن يحموا ذاكرة البوسنة والهرسك وذاكرة البلقان وكل العالم الإسلامي والعالم.
واعتبر سعادته مناسبة افتتاح المبنى الجديد للمكتبة تكريما لهم ولنظرائهم الذين قاموا بنفس الدور أو من يقومون به في البقاع التي تستعر فيها نيران الاقتتال وفي كل نقاط التوتر والنزاع.

وأوضح سعادة الدكتور غيث بن مبارك الكواري أن إتمام صيانة مكتبة الغازي خسرو بك وتدشين عملها في مقرها الجديد وإتاحة الانتفاع بكنوزها له عدة دلالات منها: الوفاء بشرط الواقف الغازي خسرو بك مؤسسها الذي نص عليها في وقفية مدرسة الغازي سنة 1573، وكذلك شأنها شأن المكتبات الوقفية التي انتشرت في كل العالم الإسلامي على مر العصور وتعمل على إشاعة العلوم وإذاعتها في مجتمعاتها محققة أمنا ثقافيا يدعم الوعي بالهوية ويؤسس للفعل الحضاري الواسع إلى جانب دورها في صيانة الكتب والمحافظة عليها من التلف وتسهيل الانتفاع بها لكل راغب.
وأشار إلى أن مكتبة الغازي خسرو بك من جهة ثانية تقدم درسا للعالمين ملخصه أن الأفكار الحية والمقاصد النبيلة عصيان عن الملاحقة والإبادة وأن الخدمة التي أدتها على مر زمن طويل جعلت الوعي بفقدانها أمرا جللا.

كما بين سعادة الوزير أن مكتبة الغازي خسرو بك قدمت دليلا صارخا على وعي عميق بالتعدد الإثني والتنوع الثقافي الحاصل في كل البلقان حيث صانت تراثها بلغات متعددة لأعراق متنوعة وأديان مختلفة وبذلك تكون قد عكست رحابة الحضارة التي أنتجت مؤسسها الغازي خسرو بك وهي حضارة استطاعت أن توائم بين كل العناصر.
وقال سعادته: إننا ننتظر أن تتابع المكتبة مسيرها وفق هذه الوجهة فتكون كما كانت طيلة تاريخها موئلا لطلاب العلم من كل الأعراق وبمختلف الألسن وفضاء للحوار والتعارف ومعينا صافيا لنشر القيم الإنسانية والمقاصد النبيلة.
وقال سعادة الدكتور غيث بن مبارك الكواري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية: إن دولة قطر بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى تعي جيدا قيمة الرقي بالمعرفة والعائد الإيجابي لدعم مؤسساتها وموقنة بانعكاس ذلك في بناء الإنسان ليؤدي دوره اللائق في تحقيق التعارف بين الأمم والشعوب وتعزيز السلم في العالم.
وأضاف: إن دعم قطر لمكتبة الغازي خسرو بك هو دعم لمؤسسة بنت عقولا سليمة وأجيالا من العلماء طيلة قرون مديدة وتمكين لفكر إسلامي أصيل أطر تأسيسها، كما أنه وفاء بواجب تجاه التراث الحضاري الإسلامي والإنساني حيث إن مكتبة الغازي خسرو بك برمزيتها وكامل كنوزها تشكل تراثا للإنسانية وجب تأمينه للأجيال الراهنة والقادمة.

وأشار سعادته إلى الإضافة النوعية التي يمكن أن تضيفها شعوب البلقان ومنها شعب البوسنة والهرسك في مجال إقرار السلم العالمي وتفعيل الحوار بين أهل الثقافات والحضارات المتنوعة وفي مجال تحالف الحضارات حيث كانت شعوب هذه المنطقة وريثة جانب مهم من تراث الحضارة الإسلامية وشاهدة على سماحة الإسلام لذلك نعول على الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات الثقافية والأكاديمية في هذا الجزء الاستراتيجي من العالم في الوساطة بين العالم الإسلامي وباقي العالم للتأسيس لحوار هادئ هادف يخدم الإنسانية جمعاء.
وأكد من جديد أن دولة قطر بقيادة حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى تولي عناية فائقة لكل الجهود الرامية إلى توثيق عرى التعاون الإسلامي - الإسلامي ودعم منهج الوسطية والاعتدال وتصحيح الصورة السلبية التي ألصقت بالإسلام والمسلمين وبناء علاقات تعارف مع المنظومات الثقافية المتنوعة.

وتوجه سعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالشكر والتقدير إلى مقام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وصاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لجهود سموهما العظيمة في الحفاظ على التراث الإنساني ومساعيهما المخلصة من أجل تعزيز ثقافة التسامح والاعتدال وأياديهما البيضاء في خدمة الإسلام والمسلمين والإنسان في قطر والعالم.

من جهته، نوه سعادة السيد باكر عزت بيجوفيتش، عضو مجلس رئاسة البوسنة والهرسك، بالدعم الذي قدمته دولة قطر لتشييد المكتبة وإعادة إحيائها من جديد.
وقال في كلمة ألقاها في حفل الافتتاح: إن هذه البادرة الكريمة من دولة قطر ودعمها السخي يؤكد من جديد على عمق الروابط بين الدول والشعوب الإسلامية، المتباعدة جغرافيا ولكن المتقاربة ثقافيا وحضاريا.
واعتبر السيد باكر عزت أن افتتاح المبنى الجديد لمكتبة الغازي خسرو بك يشكل رسالة كبيرة لمن يهدم المدن ويحرق الكتب والمكتبات بأن الشر والحقد لن يتغلب في النهاية.
وأوضح أن إعادة إحياء دار للعلم والذاكرة الجامعية التي تحفظ ثقافة وتراث الشعب البوسني رسالة قوية للذين يتهجمون على قيم التسامح والعيش المشترك في هذا المكان، حيث توجد مكتبة الغازي خسرو بك في مساحة يجتمع فيها أيضا جامع الغازي والكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية والمعبد اليهودي وهو ما يؤكد الحياة المتسامحة التي كانت موجودة ولا تزال عبر القرون.
وأكد أن المكتبة ستكون مفتوحة أمام الجميع واؤلئك الذين يريدون أن يتعلموا عن حياة البوسنة والهرسك وتاريخ العالم والحروب التي شهدها.
وقال: إن مبنى مكتبة الغازي خسرو بك العصري وما يضمه من أدوات حديثة ستمكن من الاحتفاظ بالتراث والتاريخ العميق للبوسنة والهرسك.
كما أكد أن افتتاح المبنى الجديد للمكتبة يعيدنا خمسة قرون إلى الوراء لتذكر الواقف الكبير الغازي خسرو بك الذي أسس المكتبة، معربا عن يقينه أن وقفه سيستمر بفضل جهود ودعم دولة قطر التي أعادت إحياء هذه المكتبة.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة