واتقوا النساء

6 1764

إنها صيحة تحذير أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن الدنيا حلوة خضرة . وإن الله مستخلفكم فيها . فينظر كيف تعملون . فاتقوا الدنيا واتقوا النساء . فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"(رواه مسلم).

إن الله تعالى قد خلق الذكر والأنثى وجعل في كل منهما ميلا إلى الآخر، وشهوة وغريزة تجذبه إليه ، وقد جعل سبحانه الزواج هو الوسيلة المشروعة والمباحة لإشباع هذه الرغبة وقضاء الحاجة من الطرف الآخر ، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (21)} (الروم).
وقال تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون (29) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (30) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (31)}(المعارج).

والفتنة بالمرأة من أعظم الفتن التي يتعرض لها الإنسان ، فحين تحدث القرآن عن الشهوات التي زينت للإنسان قال الله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14)}(آل عمران).
قال القرطبي رحمه الله تعالى: (قوله تعالى: "من النساء" بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"(أخرجه البخاري ومسلم). ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء).أ.هـ

وأكثر الناس إنما يؤتون من قبل الفتنة بالنساء ، وانظر إلى تفسير بعض السلف للضعف البشري الوارد في قوله تعالى: { يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا (28)} ( سورة النساء).
فقد قال طاووس رحمه الله في تفسيرها: أي ضعيفا في أمر النساء ، لا يكون الإنسان في شيء أضعف منه في النساء.
وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: المرأة تمر بالرجل فلا يملك نفسه عن النظر إليها ، ولا ينتفع بها ، فأي شيء أضعف من هذا؟

دور الأعداء في إشعال فتنة النساء
لئن كان للشيطان حظ كبير من فتنة النساء وإغواء الرجال بهن ، فإن للأعداء دورا قد لا يقل خطرا عن دور الشيطان ، هذا الدور الذي حذر الله عباده المؤمنين منه فقال: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما } ( النساء : 27 ) ، قال مجاهد رحمه الله في تفسير هذه الآية : أن تكونوا مثلهم ، تزنون كما يزنون .
وأخبرنا الله سبحانه وتعالى عن محبتهم لشيوع الفواحش فينا ، فتوعدهم قائلا : {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون }(النور : 19 ) .

(لقد أدرك أعداء هذا الدين عظيم أثر فتنة النساء ، ودورها في سقوط الأمة وانحلالها ، فكانت قضية المرأة الخنجر المسموم الذي طعنوا به أمة الإسلام ، فإذا بها تتغير معالمها وتتشوه هويتها حتى صار المنكر معروفا والمعروف منكرا ، وصارت النظرة الغربية للمرأة : هي النظرة المثالية ، الدالة على المدنية والرقي ، ورحم الله حسان بن عطية إذ قال : ( ما أتيت أمة قط إلا من قبل نسائهم) .
ولا يصعب على من يعرف شريعة الله تعالى ، إذا نظر في أعمال هؤلاء الفجار أن يستنتج أنهم عملوا على مناقضة الشريعة ومعاندتها شبرا بشبر ، وذراعا بذراع :

فبينما نادت شريعة الحكيم الخبير بتحريم الزنا وجعلته جريمة من الجرائم الكبرى التي توجب أليم العقاب ، جعلها هؤلاء من الحريات الشخصية ، التي تتكفل قوانينهم بحمايتها.

وبينما سمت الشريعة الفواحش قاذورات وأوساخ ، فقد سماها هؤلاء علاقات عاطفية (رومانسية) ليخف وقعها على الأسماع .
وبينما جعلت الشريعة الحجاب علامة الإيمان وسمة الطهارة وشعار العفة والستر ، وجعلت التبرج كبيرة وفاحشة من أفعال الجاهلية ، جعل هؤلاء الحجاب علامة التخلف والجمود والرجعية ونعتوه بأشنع الأوصاف ، وجعلوا التبرج تحضرا ورقيا ، وطائفة منهم علمت مشقة طريق محاربة الحجاب الشرعي ، فمسخته في صورة تستهوي فتيات العصر ، وأملوا لهن : أن الحجاب لا يتعارض مع الأناقة والجمال.

وبينما حثت الشريعة على الزواج ويسرت سبله ، وضع هؤلاء أمامه الحواجز ونصبوا في طريقه العراقيل ، فصارت سبل الزواج طويلة وعرة ، وسبل الزنا والفاحشة مذللة ميسورة .

وبينما جاءت الشريعة بتحريم النظر إلى النساء الأجنبيات ومصافحتهن والخلوة بهن ، وتحريم الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء ، جاء هؤلاء الفجار بكسر كل حاجز بين الرجال والنساء ، فأشاعوا الاختلاط في أماكن العمل والجامعات ، فيا لله كم من مجلس بين شباب وفتيات تعلو فيه الضحكات وتثار فيه الشهوات ، وكم من خلوة بين شاب وفتاة تتبادل فيها المغازلات والقبلات ، ويعصى فيها رب الأرض والسماوات ، وذلك كله تحت ستار التعليم الجامعي المتحضر ، وربما انطلى على بعض السذج أن هذا من الاختلاط الذي لا يمنعه الشرع ، ولا شك بأن من استحل هذا النوع من الاختلاط لا يعرف الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .

وبينما حرصت الشريعة على خمود ذكر الفاحشة في المجتمع ، وعلو ذكر العفة والطهارة والفضيلة ؛ جيش هؤلاء وسائل الإعلام من فضائيات ومواقع إلكترونية ومجلات لتزيين الفاحشة وإشاعة الرذيلة حتى يصير ذكرها بل النظر إليها أمرا مألوفا ، فتلك أفلام ومسلسلات رومانسية تدعو إلى العلاقات الجنسية المحرمة ، يتلقى الشباب والشابات منها دروسا في أساليب العهر والفجور والإغراء ، وهذه أغاني العشق والغرام تخدش حياء العفيفات وتنبت النفاق في القلوب وحب الفاحشة والمحرمات ، ويصير دعاة الزنا من المغنيين والمغنيات والممثلين والممثلات نجوما وأبطالا وقدوات ! .

وبينما جاءت الشريعة بالحث الأكيد على الغيرة على الأعراض ، وبذل الغالي والنفيس في سبيل صيانتها ؛ عمل هؤلاء الفجار على وأد الغيرة من قلوب الرجال ، حتى فشت الدياثة ، فالفتاة تخرج متطيبة متبرجة على مرأى أبيها وهو لا يحرك ساكنا ، والزوجة صارت دمية يتباهى الرجل بجمالها وزينتها أمام أصحابه ، وبعض من بلغت به الدياثة مبلغها يحارب ابنته أو زوجته إذا التزمت بالحجاب الشرعي ويمنعها من الخروج به .

وبالجملة : فإن المسلم المعاصر لا يحتاج إلى مكابدة وعناء ليعلم أنها حملة مسعورة وحرب شعواء ، يقودها إبليس وأولياؤه .
والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا كل هذا ؟!

والجواب : أن المصدر الرئيس لقوة كل أمة هو في تميز هويتها عن سائر الأمم ، وهؤلاء يريدون منا – كما قال مجاهد رحمه الله – أن نكون مثلهم ، نزني كما يزنون ، وإذا صرنا مثلهم لم تعد لنا هوية تميزنا عنهم ، وضاعت أمتنا في دوامة الأمم الكافرة ، نعوذ بحول الله وقوته من ذلك .

ثم إن هؤلاء الكفار يدركون أن العمل على نشر الفواحش والفسق هو الوسيلة السهلة التي يستطيعون بها قيادة الأمة نحو ما يشاؤون من أهداف ، كما قال قائلهم : " كأس وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع ودبابة ، فأغرقوها في حب المادة والشهوات " .
ويقول أحد حاخامات اليهود – عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة – : " شعبنا محافظ مؤمن ولكن علينا أن نشجع الانحلال في المجتمعات غير اليهودية فيعم الكفر والفساد وتضعف الروابط المتينة التي تعتبر أهم مقومات الشعوب فيسهل علينا السيطرة عليها وتوجيهها كيفما نريد) .( بشارة الشباب بما جاء في غض البصر من الثواب).

فهلا رجعنا إلى ديننا والتزمت نساؤنا شرع الله بالمحافظة على الحجاب والعفة وترك الاختلاط ، وهلا جعل الشباب بينهم وبين هذه الفتنة سياجا من الفضيلة والعفة يقي الأمة ويلات هذه الفواحش وعقوباتها؟!.

نسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين وأن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة