أنوار قرآنية: قصة النجاح في الخروج من حالة الاستضعاف من خلال قصة طالوت وداود عليه السلام

1 1375
  • اسم الكاتب:إسلام ويب ( أ. د عبدالسلام مقبل المجيدي )

  • التصنيف:القصص القرآني

المعالم الحضارية التي ترسمها الآيات في القصة:

نستعرض هنا بعض أهم الأنوار القرآنية التي تسطع في قصة طالوت وجالوت وداود عليه السلام، وأثرها في إنقاذ الشعوب المستضعفة، والتعامل الإيماني الإيجابي للخروج من الواقع المحبط: 

أولا: (بداية النور) الخروج من حالة الأزمات والاستضعاف: 

1) اجتماع (الملأ) وهم المهتمون بأمر الأمة.

2) بحثهم في الحلول الممكنة الصادقة للإنقاذ: وهذا نجده في قوله تعالى: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} [البقرة:246]، والملأ الأشراف من الناس، وهو اسم للجماعة، كالقوم والرهط والجيش، سموا ملأ؛ لأنهم يملئون العيون رواء، والقلوب هيبة.

3) الاستيثاق من صدق العزيمة، والاستعداد للنهوض بالتبعة الثقيلة {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا}.

4) توصيف سبب اللجوء إلى القتال، وهو حماية الديار والعيال: {قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} [البقرة:246].

5) تجديد الحقائق الغائبة: فقوله تعالى: {في سبيل الله} هو ذاته الدفاع عن الأبناء والديار، فطريق الخلاص من حالة الاستضعاف يتم بانتفاضة العقيدة في القلوب، ويقظة الإيمان في النفوس، وجعل قضية الديار والأبناء مرادفة (لسبيل الله) ما يعني بث التبعات التعليمية الدينية المنبثقة من الإيمان، وليس من الأهواء وخرافة (صنمية البلدان) بعيدا (عن سبيل الله).

6) الحذر من الأدعياء في الابتداء: فدعوى الدفاع وحماية الأمة تظهرها الأفعال لا مجرد الأقوال {فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم} [البقرة:246] فـ"الحماسة الجماعية قد تخدع القادة لو أخذوا بمظهرها. فيجب أن يضعوها على محك التجربة قبل أن يخوضوا بها المعركة الحاسمة".

7) القتال للذود عن الأبناء والديار مدعاة للافتخار لا للاعتذار: فقد قال الله تعالى: {والله عليم بالظالمين} [البقرة:246]. والظالمون من وضع الشيء في غير موضعه، وهم نوعان:

- من ظلم نفسه وأمته بتشويه الجهاد بأن حرفه عن أهدافه وقتل الأبرياء، فهو من أشد الناس ظلما، فهو يشوه الدين، ويبعد عنه العالمين.

- من ظلم نفسه وأمته بترك الجهاد دفاعا عنها وحفظا لحقها، فهو أظلم من الأول؛ إذ هو يترك الدين، ويمضي في تحرير الأرض والعرض في سبيل التائهين، ليزيد البلاء، ويثبت أركان المجرمين وأهل الاعتداء...فهؤلاء على الرغم من توفر الشروط يضعفون ويجبنون، ويزعمون أن الواقع يحتم عليهم غير الجهاد؛ ليعذروا أنفسهم وما هم بمعذورين، فهو يجزيهم وصفهم فيكونون في الدنيا أذلاء مستضعفين، وفي الآخرة أشقياء معذبين.

ثانيا: أهم عقبات الانطلاق:

1) التنازع على الرئاسة والزعامة يدمر الحركات التحررية الصادقة {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا} [البقرة:247].

2) المقياس الجاهلي المدمر في تولي المناصب: (لا بد من شرف النسب وكثرة المال) {ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال} [البقرة:247] وهو ما يؤدي إلى إلغاء فكرة المساواة، ويجعل المناصب أداة فساد وإفساد بسبب تولية غير الأكفاء.

3) إيراد الشبه على الحق يزيده وضوحا وتميزا، فهؤلاء لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك أجيبوا بأجوبة حصل بها الإقناع وزوال الشبه والريب.

4) الحل بوضع آلية اختيار قيادات المواجهة: حتى يتم تجاوز تلك العقبات الكأداء لا بد من آلية متفق عليها لإقرار كيفية إدارة سلطة حركات المظلومين التحررية، وهي لا تخرج عن طريقتين:

الطريقة الأولى: تكون بالاصطفاء الإلهي إن وجد نبي يوحى إليه {قال إن الله اصطفاه عليكم} [البقرة:247].

الطريقة الثانية: تكون بالتأهل وفق أهم الصفات المناسبة للمهمة {وزاده بسطة في العلم والجسم} [البقرة:247].

ثالثا: أهم المقاييس والمؤهلات في اختيار المسؤولين:

1) الاستعداد الفطري أخذناه من قوله: {قال إن الله اصطفاه عليكم} [البقرة:247] ولم يقل: (لكم) فدل على أن الله قد زوده بخصال لائقة.

2) السعة في العلم الذي يكون به التدبير وكمال الرأي. 

3) بسطة الجسم (يحتاج إليه حسب المسؤولية) {وزاده بسطة في العلم والجسم}، وقوة الجسم مع تمام الرأي تقتضي الحزم والجرأة في اتخاذ القرار. ولفظ (الزيادة) يعبر بها عن وجود مقاربين له، لكنه كان أكثرهم تأهلا.

4) توفيق الله تعالى له {والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم} [البقرة:247].

وهذه الجملة تقتضي أيضا أنه بعد الاختيار فينبغي التسليم والرضا وعدم المشاقة {والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم} [البقرة:247]. 

رابعا: بين الاصطفاء الإلهي والاختيار البشري: 

1) في حال وجود الاصطفاء الإلهي بسبب إخبار نبي، فإن المؤمنين يثبتون بإظهار آية من الآيات {وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} [البقرة:248].

2) الفائدة الكبرى في ذكر ذلك لمستمعين ليس عندهم آيات في الاصطفاء الإلهي في زمانهم مثلنا أمران: 

- تجريم التحدث بالاصطفاء الإلهي الخاص.

- البحث عن آلية للاختيار، بناء على المؤهلات، التي تعني وجود المؤهلات اللازمة، التي تمثل الاصطفاء الإلهي العام. 

خامسا: اصطفاء الجنود وتحصين الصفوف: 

1) إجراء الاختبارات الميدانية لمعرفة مدى صدقية المتابعة والثبات {فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده}[البقرة:249] والاكتفاء بـ (الغرفة) فقط لقياس مدى الإيمان بالغيب، فإن الله يجعل فيها بركة فتكفي الإنسان.

ومعنى قوله تعالى: فصل بالجنود: أي انفصل بهم من مقامهم وقادهم لقتال أعدائهم، والجنود: جمع جند بالضم، وهو العسكر، وأصله الأرض الغليظة ذات الحجارة، ثم قيل لكل مجتمع قوي: جند، والغرفة -بالفتح: الفعل وهو الاغتراف مرة واحدة، وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو والحجازيون. والغرفة -بالضم: ما يغترف، وهو الشيء القليل الذي يحصل في الكف، وبها قرأ ابن عامر والكوفيون، وقال المبرد: غرفة بالفتح مصدر يقع على قليل ما في يده وكثيره، والغرفة بالضم اسم ملء الكف، أو ما اغترف به.

2) "العدد القليل من أهل العزائم يفعل ما لا يفعل الكثير من ذوي المآثم": {فشربوا منه إلا قليلا منهم} [البقرة:249]، وفي البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: كنا نتحدث أن أصحاب بدر ثلاثمائة وبضعة عشر بعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر وما جاوز معه إلا مؤمن.

3) الحذر في المعارك المصيرية من المخذلين والمرجفين الذين يظهرون بمظهر الحكمة والدهاء السياسي، والحرص على حقن الدماء في غير موضعها {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} [البقرة:249].

4) موازنة المعركة على أساس الإيمان، والتخطيط وليس على أساس العدد {قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}.

خامسا: من أهم أسباب النصر:

1) عدم الاتكال على النفس {وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } [البقرة:246] لكنهم تولوا بعد ذلك إلا قليلا منهم.

2) إعداد الرجال على أساس الإيمان بالله {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه}، واعتقاد لقائه {قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله}.

3) أن يكون الإنسان صبورا على مشاهدة المخاوف والأمور الهائلة {والله مع الصابرين} [البقرة:249] {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا} [البقرة:250].

4) إعداد الوسائل المثبتة {وثبت أقدامنا} [البقرة:250].

5) التفوق المعنوي، وذلك بمصاحبة التعبئة الإيمانية لسير المعركة إلى آخر اللحظات، والاستعانة بالله بالدعاء والتضرع إليه {وانصرنا على القوم الكافرين} [البقرة:250].

النتيجة محتمة: {فهزموهم بإذن الله} [البقرة:251].

6) العمل الجماعي: لا بد من البحث عن الطاقات والقوى والقدرات، وبناء عليه لا بد من انتقال السلطات بناء على الاصطفاء الإلهي العام والخاص {وقتل داوود جالوت}. 

7) تداول السلطة وتغيير المسؤولين؛ لبث الدماء الجديدة إلا أن يوجد اصطفاء إلهي: {وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء} [البقرة:251] المراد من (الحكمة) النبوة، فترقى داود عليه السلام إلى المراتب العالية: الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ومن ذلك: {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم}[الأنبياء:80]، وقال: {وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد}[سبأ:10- 11].

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة