- اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب
- التصنيف:المقالات
وها نحن نمضي مسافرين في قطار التغير الثقافي لعرب الجاهلية، نطالع ما كان في تاريخ العرب القديم من عادات وعبادات وعقائد أزالها الإسلام، تمجيدا للعقل والمنطق من جهة، واتباعا لنور الوحي من جهة أخرى، ينفض عنهم غبار الأساطير التي تمنع الخير عنهم، وتقيدهم بالأغلال، وفي كل جاهلية عمياء أغلال تقيد العباد، فكان من بين الأشياء التي أزالها الإسلام:
إبطال الإسلام للظلم الحاصل على المرأة في المناكحات:
ومن ذلك أن العرب كانوا يتزوجون مطلقة أبيهم واحدا تلو الآخر، وقد عير لقيط بن زرارة قوما من بني قيس بن ثلعبة تناوبوا على امرأة أبيهم تباعا (1).
يقول الألوسي: " وكان الرجل من العرب إذا مات عن المرأة أو طلقها قام أكبر بنيه، فإن كان له حاجة فيها طرح ثوبه عليها، وإن لم يكن له حاجة فيها تزوجها بعض إخوته بمهر جديد " (2).
وكانت هذه العادة قبيحة جدا، تسمى نكاح الضيزن، وتساهم نفسيا في تمني الابن لزوجة أبيه، حتى وإن كان والده في الحياة، لمعرفته بأنه نائلها ما إن يموت والده، وقد تفتح أبواب الجريمة والعقوق إن استغرق الفرد في ذلك، فيرى والده كعقبة أمامه تحول بينه وبين نزوته.
كما أنها تهز نفسيا الولد الذي يكون من الأب، فيبصر أخاه من والده متزوجا أمه !! مما يهدد الأسرة بالتفكيك والمشاكل. وقد جاء الإسلام بتحريم ذلك، فقال الله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} ( النساء: 22).
يقول سيد قطب: " وقد كان ذلك في الجاهلية حلالا. وكان سببا من أسباب عضل النساء أحيانا، حتى يكبر الصبي فيتزوج امرأة أبيه، أو إن كان كبيرا تزوجها بالوراثة كما يورث الشيء! فجاء الإسلام يحرم هذا الأمر أشد التحريم.. يبدو لنا من حكمة هذا التحريم ثلاثة اعتبارات: الأول أن امرأة الأب في مكان الأم. والثاني: ألا يخلف الابن أباه؛ فيصبح في خياله ندا له. وكثيرا ما يكره الزوج زوج امرأته الأول فطرة وطبعا، فيكره أباه ويمقته! والثالث: ألا تكون هناك شبهة الإرث لزوجة الأب. الأمر الذي كان سائدا في الجاهلية. وهو معنى كريه يهبط بإنسانية المرأة والرجل سواء. وهما من نفس واحدة, ومهانة أحدهما مهانة للآخر بلا مراء." (3).
هذا إضافة إلى حبس المرأة حتى يبلغ صغير زوجها السابق، وجعلها كالميراث، وما فيه من ظلم، ظاهر.
وهناك بعض الدول الغربية تقر قانونيا هذا الزواج، ومنهم فرنسا والتي تشترط موت الأب ليقدم الابن على فعله، ومن ذلك حالة إليزابث لورينتز Élisabeth Lorentz، وإيريك هولدر Éric Holder، حيث راسلا رئيس الوزراء الفرنسي، فأجابهما بالنفي طالما الأب – الذي طلق- لا زال على قيد الحياة !!! (4) فاشترطوا وفاة الأب للترخيص بالزواج !
ومن الأنكحة التي أبطلها الإسلام: نكاح الشغار وهو أن يتعاقد رجلان أن يزوج كل منهما الآخر إحدى قريباته دون صداق. ونكاح الاستبدال، وهو أن يتبادل الرجلان زوجتيهما، ونكاح المخادنة، وفيه أن المرأة من حقها أن تتخذ عشيقا بموافقة الزوج، وهذا بلاء كثير لا زال عند الغرب ! وغيرها..
وأد البنات وقتل الأطفال:
وقد اشتهرت العرب به، فكان كثير من العرب يفعلونه، إن أنجب أحدهم البنت دفنها في التراب حية، ومن لم يستطع عاش مهينا ذليلا بين قومه؛ ومن ذلك قول الله تعالى:{وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون} ( النحل: 58-59). وقوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت} ( التكوير: 8-9).
يقول ابن عاشور: " وإذ قد فشا فيهم كراهية ولادة الأنثى فقد نما في نفوسهم بغضها، فتحركت فيها الخواطر الإجرامية، فالرجل يكره أن تولد له أنثى لذلك، وامرأته تكره أن تولد لها أنثى خشية من فراق زوجها إياها وقد يهجر الرجل امرأته إذا ولدت أنثى. وقد توارثت هذا الجهل أكثر الأمم على تفاوت بينهم فيه، ومن كلام بعضهم وقد ماتت ابنته: نعم الصهر القبر." (5).
وقد كانت العرب أيضا تقتل الأولاد الذكور خشية الفقر، وقد نزل الأمر الإلهي أيضا بحرمة ذلك حين قال: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم إن قتلهم كان خطئا كبيرا} ( الإسراء: 31).
إنه ارتكاس كبير عاشته عرب الجاهلية، تاريخ مليء بوأد البنات والأطفال، حتى أن كتب التاريخ ذكرت بالاسم من كان سجله مليئا بوأد بضعة عشر من أولاده!
الاستمطار بحرق أذناب البقر:
نعم أيها السادة، فقد كان العرب لما تجدب الأرض ويريدون طلب الأمطار، عمدوا إلى أذناب البقر وحزموا معها المتاع والأعشار، وأصعدوها إلى جبل وعر التضاريس، وأضرموا النار فيها ! (6).
فتصور معي البقرة المسكينة تفر فوق الجبل، مفزوعة بالنار، تكتوي بلهيب النار ؟ عادة جاهلية جهلاء، وما كانت الأمطار تأتي جراء هذا الفعل، وقد أنشد أعرابي:
شفعنا بيقور إلى هاطل الحيا فلم يغن عنا ذاك بل زادنا جدبا(7)
وقد أبطل الإسلام هذه العادة، وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} ( البقرة: 186)، فإن أجدبت الأرض فما عليك إلا دعوته سبحانه، وسن في ذلك صلاة الاستسقاء.
التشاؤم بأنواع من الحيوانات:
وهي عادة لازالت في مجتمعات كثيرة، فإن صاح الغراب قالوا بأنها أخبار سوء ستصل، وكانوا يتشاءمون من صوته أشد تشاؤم، ولا زالت هذه المعتقدات سائرة عند أهل الغرب أيضا، ومنه إن رأوا بوما فوق منزل قالوا أنه نذير على خراب البيت وخلائه !
ومما كانت تتشاءم منه العرب الثعلب، ومن الأعضب – كل مكسور القرن – وغيرها، ومرد ذلك كله أنهم كانوا يظنون ببعض خرافات السحر والكهانة، وأن هناك حيوانات معينة تتخذها الجن للركوب، كالأرانب !
وأنشد الكميت بن زيد رحمه الله قائلا:
ولا أنا ممن يزجر الطير همه أصاح غراب أم تعرض ثعلب ؟
ولا السانحات البارحات عشية أمر سليم القرن أم أعضب ؟ (8).
وكل ذلك أبطله الإسلام، حيث روى معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله: يا رسول الله ! أمورا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان. قال: (فلا تأتوا الكهان). قلت: كنا نتطير. قال: (ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم) رواه مسلم
وكثير من الناس اليوم يتطير من البشر أيضا، حتى إن خرج من منزله لقضاء حاجة والتقى بشخص يتطير منه فإنه يعدل عن قضاء حاجته، ويرجع إلى منزله !!
وقد حذر من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه إلى الشرك، حيث قال: ( من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك ) رواه أحمد وصححه الألباني.
فتأمل معي في مثل هذه الأخبار، وكيف أن الإسلام استطاع أن يغير كثيرا من ثقافة العرب وأساطيرهم، وأسألك سؤالا تأمله:
أفلم يكن أسهل على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقر كثيرا من أساطير العرب، لضمان عدم الصدود وتسهيل اعتناق الدين الجديد؟ عوض أن يخالفهم في كثير من ثقافتهم فيشتد بذلك إعراضهم ؟
فكل ذلك ببساطة لأن الإسلام دين الله تعالى، لا يحابي أحدا ولا يقر باطلا، ولا يبطل حقا.
هوامش المقال
1- راجع أبيات الذم في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، الجزء 10، ص: 37.
2- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، الجزء 2، ص: 53.
3- في ظلال القرآن، تفسير الآية 22 من سورة النساء.
4- للاستزادة أكثر راجع المقال الصحفي الآتي: http://lci.tf1.fr/france/societe/la-belle-mere-et-le-beau-fils-veulent-se-marier-la-loi-l-interdit-8002139.html
5- تفسير التحرير والتنوير، لابن عاشور، تفسير الآية 8 من سورة التكوير.
6- راجع بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، الجزء 2 ص: 301.
7- بيقور: هو البقر، وهاطل: هو النازل بكثرة، والحيا هو المطر.
8- مقتطف من بائية الكميت بن زيد.