أنواع التوحيد...والعلاقة بينها

0 2008

إن الإيمان بالله جل وعلا يتضمن إيمانا بأنواع التوحيد الثلاثة، وهي: توحيد الربوبية، والمقصود به: الإقرار بأن ربنا تبارك وتعالى واحد في أفعاله، لا يشاركه فيها أحد ، كالخلق والرزق والإحياء والإماتة، وتدبير الأمور والتصرف في الكون، وغيرها من الأفعال الإلهية.

والثاني: توحيد الألوهية، والمقصود به: توحيد الله بأفعال العباد، أي: إفراده بالعبادات، كالدعاء والتضرع، والخوف والرجاء، والاستعانة والاستغاثة، والذبح والنذر، إلى غير ذلك من العبادات التي لا يجوز صرف شيء منها لأحد من الخلق، مهما كانت منزلته أو مكانته.

والثالث: توحيد الأسماء والصفات، وحده وتعريفه كما يذكر علماء العقيدة: إثبات كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له نبيه -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات، على الوجه اللائق به سبحانه، دون أن نحاول ذكر كيفية لها، أو أن نمثل صفات الله بصفات خلقه، أو أن نحرف أو ننفي صفات الله تعالى أو أسمائه وننكر قيام صفات الله تعالى به، مع تنزيهه عن كل ما لا يليق به سبحانه.

ولا شك أن هذه الأنواع الثلاثة التي تشكل قضية الإيمان بالله جل وعلا، قد قامت بينها نوع من العلاقة بينها، ونص عليها العلماء في كتبهم ومصنفاتهم، ويمكن تقرير هذه العلاقات وبيانها من خلال المحاور التالية:

بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

هناك عبارة يستخدمها علماء العقيدة في بيان وجه العلاقة القائمة بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، يريدون بها بيان تعلق الأولى بالثانية، فيقولون: "توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية"، ومعنى ذلك أن من آمن بتفرد الله تعالى في الربوبية، وأنه وحده لا شريك له، المبدئ المعيد، وأنه خلق الأشياء بقدرته، ودبرها بمشيئته، وقهرها بجبروته، وذللها بعزته، وانفرد عن خلقه بأفعال لا يقدر عليها إلا هو، فإن من كان بمثل هذه العظمة والتفرد كان مستحقا للعبادة، وأن هذه الأفعال وغيرها مما لم نذكرها تقود الإنسان إلى وجوب تعظيمه وإفراده بالعبادة دون من سواه من المعبودات الباطلة، التي لا تضر ولا تنفع.

وإننا لنجد هذا التلازم القائم بين الربوبية والألوهية ماثلا في كتاب الله تعالى، ومنه قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون* الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} (البقرة:21-22)، فالله قد جعل الأمر بإفراد العبادة، ونهى عن الشرك الذي يضاد مبدأ الألوهية، عن طريق الاستدلال بتوحيد الربوبية، وقد استدل على وجوب عبادته وحده، بخلقه للناس من العدم، وبما أنعم على الخليقة من النعم المتكاثرة، فالأرض لهم قرار، والسماء بناء، أودع فيها من المنافع ما فيه قيام حياتهم به، من الشمس والقمر والنجوم، ورزقهم بأنواع الثمار والمآكل، فكان انفراده بالخلق والرزق والتدبير يقود الإنسان إلى إفراده بالعبادة، وبطلان عبادة من سواه.

وقد أنكر الله صنيع الكفار حين يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا، فصفات النقص القائمة في معبوداتهم تنافي ربوبيتهم، فكيف يجعلون لها نصيبا من العبادة؟ قال الله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون* ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون* وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} (الأعراف: 191-193).

وفي سورة النمل مثال رائع للإلزام الإلهي بإفراد العبادة له استدلالا بربوبيتة وذلك في آيات متتاليات: { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون* أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون* أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون* أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون* أمن يبدؤا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (النمل:60-64).

العلاقة بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية

توحيد الألوهية الذي هو إفراد الله تعالى بالعبادة، يتضمن توحيد الربوبية، والمعنى أن في الإفراد بالعبادة إقرار ضمني بوجود رب واحد متفرد، ولذلك استحق العبادة دون ما سواه من الآلهة الباطلة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: عند تفسير قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} (البقرة:255): "..فإنه يقتضي انفراده بالألوهية، وذلك يتضمن انفراده بالربوبية، وأن ما سواه عبد له، مفتقر إليه وأنه خالق ما سواه، ومعبوده".

واستدل ابن أبي العز الحنفي على قوله تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} (الإسراء: 42) بإثبات هذه العلاقة فقال: " وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس. فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزا، والعاجز لا يصلح أن يكون إلها".

فالحاصل أن كل من أقر باستحقاق الله تعالى للإفراد بالعبادة فهو مقر سلفا بتفرد الله في الخلق والإماتة والنفع والضر، وغير ذلك من الأفعال.

العلاقة بين توحيد الألوهية والربوبية وبين توحيد الأسماء والصفات

توحيد الألوهية والربوبية مستلزم لتوحيد الأسماء والصفات، لأن من آمن بتفرد الخالق في الخلق والملك والتدبير لزمه بأن يفرد الله بالعبادة، ومن كان كذلك فإنه يلزمه اعتقاد اتصاف معبوده بصفات الجلال ونعوت الكمال، ولذلك استحق الاختصاص العبادة، وفي المقابل: فإن من أقر بتوحيد الأسماء والصفات فهو مقر بوجود خالق متفرد بالأفعال وأنه لا إله إلا هو، وبذلك اتضحت لنا العلاقات الناشئة بين هذه الأقسام الثلاث، نسأل الله أن يعننا على شكره وذكره وحسن عبادته.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة