فكّر وتفكر أيها الإنسان

0 1193
  • اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب

  • التصنيف:تعزيز اليقين

خلق الله تعالى هذا الكون العظيم، وجعل الإنسان الخليفة في الأرض، وسخر له المخلوقات، وفضله على كثير منهم، بأن وهب له العقل، والتفكير الواعي الحر، تلك المنحة التي أورتثه شوقا أصيلا لا ينقطع إلى المعرفة، وإلى الحاجة الدائمة لإدراك محيطه، والتساؤل عن مصدره وغايته.

تلك الأسئلة الوجودية الفطرية، التي لا يوجد مجتمع إلا وحاول الإجابة عنها، هذه الحاجة التي ورثناها عن أبينا آدم، حينما أنعم الله عليه بقبس من العلم الرباني في الآية الكريمة: {وعلم آدم الأسماء كلها} ( البقرة: 31).

فهل حفظت عن أبيك هذا العلم؟ أم أنك طمسته في أوحال الكفر والرذائل؟ هل أنت من المتفكرين المتبصرين؟ أم أنك استعملت هذه الملكة فيما يضرك ويهلكك؟

فكر أيها الإنسان: فكيف لحياة توجد من عدم دون خالق، وأنت ترى صنائع الله في نفسك ومحيطك؟ أتراك صدقت أولياء الشيطان في زعمهم بالصدفة الخلاقة؟ وليت شعري هل الصدفة تستطيع تشكيل جملة مفيدة فضلا عن كون محكم كبير؟

اضرب مفاتيح حاسوبك بشكل صدفوي وانظر هل أعطتك جملة؟ بل كلمة؟ فويحك فكر وأبصر.

إن العقل آلة تلتقط الحقائق وتتأملها، والقلب آلة يسترشد بنور العقل والفطرة ليتخذ القرار النهائي، ومن هنا قال الله تعالى: {لهم قلوب لا يفقهون بها} ( الأعراف: 179 ). فإن كان التفكير من تخصص العقل، فإن التفكر مرتبة أعلى تشمل العقل والقلب، ومن هنا كان باب عقيدة الإسلام " التفكر". {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا..} ( سبأ: 46). ويقول عز وجل: {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} ( آل عمران: 191 ).

فهل خلوت أيها الإنسان يوما؟ تتفكر في هذا الخلق البديع؟ سابحا في فضاء الكون الواسع؟ فما أنت إلا ذرة مقارنة مع الأجرام العظيمة، والكواكب الضخمة، ذرة كرمها الله تعالى، وخاطبها بالرسالة؛ {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} ( الإسراء: 70 ).

أطلق العنان لفكرك فما يلبث أن يرجع منكسرا خاضعا لعظمة الله وملكوته، قاصرا عن الإحاطة به ومكنوناته، {ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} ( الملك: 3-4 ).

يقول سيد قطب: " والسماء خلق ثابت أمام الأعين الجاهلة لا تتجاوزه إلى اليد التي أبدعته، ولا تلتفت لما فيه من كمال. ولكن السورة تبعث حركة التأمل والاستغراق في هذا الجمال والكمال وما وراءها من حركة وأهداف" (1)

إن التفكر في الإسلام عبادة، لها أجر عظيم عند الله تعالى، لا يفارقها الأولياء، ولا يخاصمها إلا محروم، وهذا أبو سليمان الداراني (2) يقول: " إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله فيه نعمة، ولي فيه عبرة" (3).

ثم ارجع وتفكر، فقد كان بالإمكان أن لا تكون أصلا، {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} ( الإنسان: 1). لم تكن قبل خلقك شيئا مذكورا، حتى فتحت عيناك، وفجأة أدركت أنك مخلوق في هذه الحياة، إنها نعمة أنعمها عليك الله عز وجل، فهل شكرت النعمة؟ أم ذهلت عنها في غفلة، ولم تتفكر فيها؟

فها أنت قد ذكرت بها فما أنت فاعل؟ فإما أن تقع أسير أنوار الله البهية، مؤمنا، خاشعا، متبتلا، أو تظل حائرا عاصيا، فتكون أبعد الناس عن التفكر والتدبر !

يقول الشيخ فريد الأنصاري: " إن الذي يشعر بالنعمة المسداة إليه يجد نفسه مطوقا بحقها في الشكر.. ولكنها نعمة أكبر بكثير من أن تحصى أو تحصر.. فكيف تشكر إذن؟ هنا يمتلك القلب الشعور بالعجز والذلة والخضوع التام. وتلك هي لا إله إلا الله. " (4).

فالعمر قصير، والدنيا فتن مستغرقة، ففكر في مصيرك، وتفكر في الكون حولك، {إنا هديناه السبيل فإما شاكرا وإما كفورا} ( الإنسان: 3 ) فقد بين الله لك السبيل القويم، وجعل فيك وفي حولك آيات ترشد الطريق، فإن شعرت واستشرعت، وقادك التفكير إلى الإقرار بلا إله إلا الله، فلا يبقى عليك إلا أن تنطقها مؤمنا بها، موقنا بدلالاتها. فماذا تنتظر إذن؟

هوامش المقال
1- في ظلال القرآن، لسيد قطب، تفسير سورة الملك.
2- أبو سليمان الداراني هو من العلماء الزهاد، عاش في القرن الثالث الهجري،وروي الحديث عن سفيان الثوري، وأبي الأشهب العطاردي..
3- رواه ابن أبي دنيا في التوكل والاعتبار.
4- كتاب جماليات الدين، ص: 59.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة