تبسمك في وجه أخيك صدقة

0 2237

رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أعظم الناس قدرا، وأعلاهم شرفا، وأشرحهم صدرا، وكان يملك قلوب أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ بوجهه البسام، وابتسامته المشرقة، وكلماته الطيبة، وقد قال الله تعالى عن حاله مع أصحابه: { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر }(آل عمران من الآية: 159)، وقال هند بن أبي هالة ـ رضي الله عنه ـ: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب " .
قال ابن عيينة: " البشاشة مصيدة المودة، و البر شيء هين، وجه طليق، وكلام لين " .

          أخو البشر محبوب على حسن بشره      ولن يعدم البغضاء من كان عابسا

الابتسامة في الوجوه أسرع طريق إلى القلوب، وأقرب باب إلى النفوس، وهي من الخصال المتفق على استحسانها وامتداح صاحبها، وقد فطر الله الخلق على محبة صاحب الوجه المشرق البسام، وكان نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الناس تبسما، وطلاقة وجه في لقاء من يلقاه، وكانت البسمة إحدى صفاته التي تحلى بها، حتى صارت عنوانا له وعلامة عليه، وكان لا يفرق في حسن لقائه وبشاشته بين الغني والفقير، والأسود والأبيض، حتى الأطفال كان يبتسم في وجوههم ويحسن لقاءهم، يعرف ذلك كل من صاحبه وخالطه، كما قال عبد الله بن الحارث ـ رضي الله عنه ـ: ( ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ ) رواه الترمذي وصححه الألباني .
وتصف عائشة ـ رضي الله عنها ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتقول: ( كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان رجلا من رجالكم إلا أنه كان ضحاكا بساما ) .
والبعض تراه عابسا دائما، يظن أن التبسم فيه إنزال من مكانته، ونقص من هيبته أمام الآخرين، فهؤلاء واهمون ينفرون أكثر مما هم يقربون، لأن التبسم في وجه أخيك مع كونه مفتاحا للقلوب، وتأليفا للنفوس فهو سنة نبوية، فعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ( ما حجبني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ) رواه مسلم .

ولم يكتف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يكون قدوة عملية في الابتسامة، بل إنه دعا إليها وحث عليها بقوله، فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ) رواه الترمذي .
قال المناوي: " ( تبسمك في وجه أخيك ) أي في الإسلام، ( لك صدقة ) يعني: إظهارك له البشاشة، والبشر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة "
وقال ابن بطال: " فيه أن لقاء الناس بالتبسم، وطلاقة الوجه، من أخلاق النبوة، وهو مناف للتكبر، وجالب للمودة " .
وقد جمع الإمام البخاري أحاديث كثيرة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبوب لها : ( باب التبسم والضحك )، وفي ذلك دليل على الابتسامة التي كان يحرص عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكذلك جمع الإمام مسلم في صحيحه أحاديث بوب لها الإمام النووي فقال في كتاب الفضائل: ( باب تبسمه وحسن عشرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) .

التبسم في الوجوه عمل بسيط ويسير، غير مكلف ولا مجهد، ولكن له الأثر الكبير في نشر الألفة والمحبة بين الناس، وهو في سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المعروف الذي يؤدي إلى مرضاة الله ـ عز وجل ـ، فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ) رواه الترمذي .
وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا تحقرن من الـمعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) رواه الترمذي وصححه الألباني .
قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )، روي ( طلق ) على ثلاثة أوجه: إسكان اللام، وكسرها، وطليق بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط، وفيه الحث على فضل المعروف، وما تيسر منه وإن قل، حتى طلاقة الوجه عند اللقاء .
قال المباركفوري: " ( وإن من المعروف ) أي: من جملة أفراده، ( أن تلقى أخاك ) أي: المسلم، ( بوجه ) بالتنوين، ( طلق ) معناه: تلقاه منبسط الوجه متهلله " .
وقال ابن علان في دليل الفالحين: " أي بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التأليف المطلوب بين المؤمنين " .
وقال أيضا: " أي: متهلل بالبشر والابتسام، لأن الظاهر عنوان الباطن، فلقياه بذلك يشعر لمحبتك له، وفرحك بلقياه، والمطلوب من المؤمنين التواد والتحاب " .

ومما ثبت أيضا في استحباب البشاشة وطلاقة الوجه عند اللقاء قوله - صلى الله عليه وسلم-: ( إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق ) رواه البيهقي في شعب الإيمان، وقال الألباني: حسن لغيره .
وعن جابر بن سليم الهجيمى - رضي الله عنه - قال: قلت: ( يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية، فعلمنا شيئا ينفعنا الله ـ تبارك وتعالى ـ به، قال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط ) رواه ابن حبان وصححه الألباني .
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( منبسط ) أي: منطلق بالسرور والانشراح، قال حبيب بن ثابت: " من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه ".
وقال الإمام الغزالي:" فيه رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه، وقطب جبينه كأنه مستقذر للناس، أو غضبان عليهم، أو منزه عنهم، ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب، ولا في الخد حتى يصعر، ولا في الظهر حتى ينحني، ولا في الرقبة حتى تطاطأ، ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلب ".

الابتسامة إحدى وسائل غرس الألفة والمحبة بين الناس، وهي سنة نبوية ووسيلة دعوية، ومفتاح للقلوب، وكنز تنفق منه مع أهلك وإخوانك وجيرانك وكل من تقابله وتدعوه، وصدقة لا تكلفك دينارا ولا درهما، فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ) رواه الترمذي .


 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة