في روضة الأخلاق النبوية

0 1235

سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي الصفحة الجلية والروضة الندية التي نتنسم فيها ونتعلم منها الأخلاق النبوية الكريمة، فقد نشأ نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أول أمره إلى آخر يوم في حياته متحليا بكل خلق كريم، مبتعدا عن كل وصف ذميم، أدبه ربه فأحسن تأديبه، فكان أحسن الناس عشرة وأدبا، فهو أشد الناس حياء من العذراء(البنت البكر) في خدرها(بيتها وسترها)، ضرب به المثل في الأمانة والصدق، وقد أسموه الصادق الأمين، وكان أكرم الناس نفسا، فما رد سائلا ولا فقيرا .. ومع علو قدره ومنزلته كان أشد الناس تواضعا، وأبعدهم عن الكبر، قال له رجل: يا خير البرية، فقال متواضعا ( ذاك إبراهيم )، ولما جاءه رجل ترعد فرائصه قال له: ( هون عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) رواه ابن ماجه .

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظمهم شفقة ورحمة، يتجوز في صلاته إذا سمع بكاء الصبي كراهة أن يشق على أمه، ورحمته شملت الإنسان والحيوان .. وكان خير الناس لأهله، لم يضرب شيئا قط بيده لا امرأة ولا خادما، ويقول: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .
ومن جميل صفاته وعظيم أخلاقه أنه أوفر الناس حلما، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، فقد آذاه قومه فسأله ملك الجبال أن يطبق عليهم جبلين فأبى وقال: ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا ) رواه الطبراني . وعندما دخل مكة المكرمة فاتحا منتصرا كان قوله لمن حاربوه وعادوه: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .. ومع كثرة أعبائه ومسئولياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أطلق الناس وجها وتبسما، فقد قال عبد الله بن الحارث ـ رضي الله عنه: " ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ "، وقال جرير ـ رضي الله عنه ـ: " ما رآني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا تبسم " .
وبالجملة فإن نبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خلقا، ويكفيه شهادة ربه ـ عز وجل ـ له بقوله: { وإنك لعلى خلق عظيم }(القلم الآية: 4)، وقد سأل سعد بن هشام أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت له: ( ألست تقرأ القرآن؟، قال: بلى، قالت: فإن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان القرآن ) رواه مسلم .
قال القاضي عياض: " وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
حسن خلقه من أسباب دخول الناس الإسلام :
السيرة النبوية مليئة بأمثلة كثيرة لصحابة دخلوا في الإسلام بسبب حسن خلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عفوه وصفحه، أو جوده وكرمه، أو حلمه ورفقه، أو تواضعه وعدله، أو رحمته وشفقته، فهذا ثمامة بن أثال يسلم بسبب عفو النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: ( والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على وجه الأرض دين أبغض إلي من دينك، وقد أصبح دينك أحب الأديان كلها إلي، والله ما كان على وجه الأرض بلاد أبغض إلي من بلادك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي ) رواه البخاري، وآخر يتأثر بكرمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجوده فيقول: ( يا قومي أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة ) رواه مسلم، وزيد بن سعنة الحبر اليهودي يقول: " ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلما، وقد اختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا " .
قال ابن حجر في كتابه ( الإصابة ) حين عرف بالصحابي الجلندى ملك عمان أنه قال: " لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر ( لا يتلفظ بقبيح )، وأنه يفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي " .

قطوف من أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حسن الخلق ومنزلته :
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي .
ـ وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ) رواه الترمذي .
ـ وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) رواه البخاري
ـ وعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ) رواه الطبراني، وعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنه ـ قالت: قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) رواه أبو داود .
ـ وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟، فقال: ( تقوى الله وحسن الخلق ) رواه الترمذي . 

ولأهمية الخلق الحسن ـ للفرد والمجتمع والأمة ـ أوصى به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين عامة، وأهل القدوة من الدعاة والمربين والولاة والقضاة ـ خاصة ـ، ولذلك لما بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ إلى اليمن قاضيا ومعلما وأميرا، أوصاه بوصايا كثيرة، منها: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) رواه أحمد، بل جعله النبي - صلى الله عليه وسلم ـ حسن الخلق سببا من أسباب بعثته، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) رواه أحمد .

           إنما الأمم الأخلاق ما بقيت         فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وكثيرا ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يهديه للخلق الحسن، قائلا: ( واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ) رواه مسلم، ويقول: ( اللهم كما حسنت خلقي، فحسن خلقي ) رواه ابن حبان .

لقد أصبحت الأخلاق الطيبة مطلبا أساسيا لنا ـ أفرادا ومجتمعات ـ، ندعو بها إلى الله، ونسترجع بها سالف عز ومجد أمتنا الإسلامية، فقد كان الناس يدخلون في دين الله لما يروا من عظيم أخلاق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومن حسن معاملة الصحابة وجميل أخلاقهم مع بعضهم البعض ومع أعدائهم، ومن أجل ذلك جعل الله تعالى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحب الخلق العظيم قدوة ونموذجا، يطبق ويجسد الإسلام الذي أرسل به واقعا عمليا، بكل ما يحمله من مبادئ تدعو إلى الأخلاق، وقيم تحث على الفضيلة، قال الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }(الأحزاب من الآية: 21) .
قال ابن كثير : " هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الأحزاب في صبره ومصابرته، ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه ـ عز وجل - ".
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة