خاتم النبوة من دلائل النبوة

0 1995

خاتم النبوة هو أحد علامات ودلائل نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وخاصية من خصوصياته الكثيرة، التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها، ويسألون عنها، ويطلبون الوقوف عليها، وهو عبارة عن قطعة صغيرة من اللحم بارزة في جسده الطاهر الشريف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، عند كتفه الأيسر، وقد جاء ذكره ووصفه في أحاديث صحيحة، وقد رآه غير واحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ .
قال العيني: " خاتم النبوة بمعنى الطابع، ومعناه الشيء الذي هو دليل على أنه لا نبي بعده " .
وقال القاضي البيضاوي: " خاتم النبوة أثر بين كتفيه نعت به في الكتب المتقدمة، وكان علامة يعلم بها أنه النبي الموعود " .

والأحاديث في ذكر خاتم النبوة التي ذكرت صفة ومكان خاتم النبوة من الجسد النبوي الشريف كثيرة، منها :

عن عبد الله بن سرجس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( .. ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، عند ناغض كتفه اليسرى جمعا، عليه خيلان (شامة) كأمثال الثآليل ) رواه مسلم، والثآليل: جمع ثؤلول، وهو هذه الحبة التي تظهر في الجلد كالحمصة فما دونها .
وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده ) رواه مسلم .
قال النووي:" أما بيضة الحمامة فهو بيضتها المعروفة، وأما قوله: جمعا، فبضم الجيم وإسكان الميم، ومعناه: أنه كجمع الكف وهو صورته بعد أن تجمع الأصابع وتضمها، وأما الخيلان فبكسر الخاء المعجمة وإسكان الياء جمع خال وهو الشامة في الجسد، والله أعلم، قال القاضي: وهذه الروايات متقاربة متفقة على أنها شاخص في جسده قدر بيضة الحمامة " .
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن السائب بن يزيد ـ رضي الله عنه ـ قال: ( ذهبت بي خالتي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، وقمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة ) .
قال ابن حجر: " وجزم الترمذي بأن المراد بالحجلة الطير المعروف، وأن المراد بزرها بيضها " .

وهناك صحابية رأت خاتم النبوة وهي ما زالت طفلة صغيرة، فهذه أم خالد بنت خالد بن سعيد ـ رضي الله عنها ـ تقول: ( أتيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أبي، وعلي قميص أصفر، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: سنه سنه ـ وهي بالحبشية حسنة ـ، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزبرني (نهاني) أبي، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعها (اتركها) ) رواه البخاري .

لقد اختلفت الروايات في وصف خاتم النبوة، ففي حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم: ( كأمثال الثآليل )، وفي حديث السائب بن يزيد ـ رضي الله عنه ـ عندالبخاري: ( مثل زر الحجلة )، وفي حديث جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ: ( مثل بيضة الحمامة )، وفي حديث أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ في قصة بحيرا الراهب عند الترمذي: ( مثل التفاحة ) .
قال المناوي: " كلها متقاربة، وأصل التفاوت في نظر الرائي بعد أو قرب " .
وقال القرطبي: " اتفقت الأحاديث الثابتة على أن الخاتم شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر، قدره إذا قل كبيضة الحمامة، وإذا كبر جمع اليد " .

موضعه من الجسد النبوي الشريف :

كان خاتم النبوة بين كتفي النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث السائب بن يزيد ـ رضي الله عنه ـ وفيه: ( فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه )، وكان ناحية كتفه الأيسر كما في حديث عبد الله بن سرجس ـ رضي الله عنه ـ عند مسلم، قال: ( ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض (أعلى) كتفه اليسرى ) .
لقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة بوصف خاتم النبوة ومحله من جسد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأما الكتابة عليه فلا دليل عليه، بل كل الأحاديث الواردة في ذكر خاتم النبوة تدل على أنه بضعة ناشزة من جسده ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
قال ابن حجر: " وأما ما ورد من أنها كأثر المحجم، أو كانت كالشامة السوداء أو الخضراء، أو مكتوب عليها محمد رسول الله فأنت المنصور، أو نحو ذلك، فلم يثبت منها شيء " .

خاتم النبوة وأهل الكتاب :

خاتم النبوة من صفات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي وصف بها في الكتب المتقدمة عند أهل الكتاب، فكان علامة على صدقه، ودليلا من دلائل نبوته المذكورة في الكتب القديمة الصحيحة، التي كانوا يعرفونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها، ويسألون عنها، ويطلبون الوقوف عليها .
قال ابن رجب: " وخاتم النبوة: من علامات نبوته التي كان يعرفه بها أهل الكتاب ويسألون عنها، ويطلبون الوقوف عليها وقد روي: أن هرقل بعث إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتبوك من ينظر له خاتم النبوة ثم يخبره عنه " .
وقد ورد ذكر خاتم النبوة في قصة إسلام سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ الذي ظل يبحث عن النبي الحق الذي عرف صفاته ومناقبه من أحد الرهبان في عمورية والذي وصفه له قائلا: " ولكنه قد أظلك زمان نبي، هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل (المدينة المنورة)، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية، ولا يكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل " . 
فوجد سلمان ـ رضي الله عنه ـ هذه الصفات في النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فيقول: ـ رضي الله عنه ـ: ( ثم جئت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ببقيع الغرقد، وقد تبع جنازة من أصحابه، عليه شملتان له، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استدرته عرف أني استثبت في شيء وصف لي، قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم، فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكى، فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: تحول فتحولت، فقصصت عليه حديثي ) رواه أحمد .
وكذلك جاء ذكره في قول بحيرا الراهب لأبي طالب عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة " .

من فضل الله - عز وجل - على نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن اختصه دون غيره من الأنبياء بخصائص كثيرة، تشريفا وتكريما له، مما يدل على جليل قدره وشرف منزلته عند ربه، فهو المبعوث إلى الناس كافة، قال الله تعالى: { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون }(سبأ الآية: 28)، وهو خاتم النبيين، قال تعالى: { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما }(الأحزاب الآية: 40) .. 
ومن خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودلائل نبوته التي أكرمه الله بها، وميزه بها على غيره، خاتم النبوة الذي كان بين كتفيه ورآه كثير من أصحابه، ولا يختلف اثنان أن مثل هذا الخاتم لا يمكن أن يصنعه بشر، بل هو خلقي لا يقدر على خلقه إلا الله ـ  تبارك وتعالى ـ، وقد قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في وصفه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفا، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة " .

وقال حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ  في مدحه ووصفه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
 
       أغر عليه للنبوة خاتم                من الله مشهود يلوح ويشهد
       وضم الإله اسم النبي إلى اسمه      إذا قال في الخمس المؤذن: أشهد
       وشق له من اسمه ليجله             فذو العرش محمود وهذا محمد
       نبي أتانا بعد يأس وفترة             من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
       فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا       يلوح كما لاح الصقيل المهند
       وأنذرنا نارا، وبشر جنة             وعلمنا الإسلام فالله نحمد



 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة