عندما تهب رياح الفشل

0 936
  • اسم الكاتب:اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

  • التصنيف:ثقافة و فكر

يرتبط الإحساس بالفشل بالشعور المتدني لتقدير الذات، نتيجة الجفوة الذاتية وقلة المعرفة والدراية بمكوناتها. فالإنسان مزيج من الرغبات والدوافع والحاجات والقيم والمبادئ والمشاعر والصفات السلبية والإيجابية، والاعتقادات السلبية والإيجابية عن نفسه وعن الآخرين، وبقدر معرفة الإنسان لكل ما سبق بقدر معرفته لذاته وفهمه إياها، الأمر الذي ينعكس على أن يحسن تقديره لنفسه فيعطيها حقها من الرعاية والإكرام والمحبة.

فالمرء عليه في تعديله وتغييره لمشاعره السلبية واعتقاداته السلبية عن ذاته أن ينطلق أولا من حبه لذاته بلا شروط، فلا يعني الوقوع في الخطأ رمي اللوم على الذات، وفي المقابل لا يعني عمل الشيء المرغوب مزيدا من استحسان الذات، كما ينبغي الوقوف مع الذات بصدق، فلا نبخس حق الإيجابيات مقابل تحد واضح للسلبيات، فالإيجابيات تعزز وتنمى، والسلبيات نتعامل معها بلطف وجدية لنتخلص منها ولا نعطيها أكبر من حجمها.
والخوف من الفشل هو ذلك الحاجز الذي يحول بين الإنسان وبين تفجير طاقاته، وبالتالي بينه وبين الوصول إلى أهدافه وطموحاته وأمانيه. وأصل المشكلة أن بعض الناس نفوسهم رهيفة لا تقبل الصدمة، نفوس متعودة على الدلال والراحة، ولذا تهرب من أي احتمال للمصاعب، وتتراجع عن أي طريق تعترضها فيه الصدمات والمشاكل، وإنما يخاف الإنسان الفشل لأن الفشل مضخم في نفسه، وحينما تكون الأمور بسيطة أمامه، فانه لا يتهيب اقتحامها.

إن أفضل علاج للفشل أن لا يتهيبه الإنسان، فليس مشكلا كبيرا أن يفشل المرء، وأساسا لماذا لا تريد أن تفشل في حياتك؟ لماذا لا تريد أن تصطدم في حياتك؟ إن طبيعة الحياة وسنتها: أن الإنسان لا يصل إلى النجاح إلا بعد أن يجتاز وديان الفشل، والله تعالى قد منح البشر ملكات إنسانية خاصة ليتعاملوا مع أحداث حياتهم بفاعلية، وبقدر ما نستخدم هذه الملكات بقدر ما نقترب من روح المبادرة والإيجابية، وبقدر ما نبتعد بقدر ما نقترب من روح الأعذار ورمي اللوم على (الآخر)،

وهذه الملكات هي:
1- الإدارك الذاتي: وهي أن تكون واعيا بما يدور حولك مدركا له.
2- الخيال: وهو القدرة على تجاوز حدود الحاضر والتجارب الشخصية. فقط تخيل العواقب التي سوف تجنيها عندما تتصرف برد فعل تجاه أي استجابة تجبرك على أن تكون سيئا. أريدك في هذا التخيل أن تتخيل شكل المتعة التي ستحصل عليها الآن، ثم شكل الألم الذي سيصيبك إذا استجبت بطريقة سلبية للمؤثر الذي يؤثر عليك؛

مثلا: التدخين يسبب للمدخن متعة آنية، وهو استجابة لمؤثرات كثيرة عليه، ولكن ما رأي المدخن في السرطان؟ مرض رهيب، أليس كذلك؟ هل يحب أن يتألم من هذا المرض؟ بالطبع لا -عافاك الله- لذلك فإنه عندما يتخيل مقدار الألم العنيف الذي يسببه مرض مثل هذا بسبب تدخينه، فإنه بالتالي سوف يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على هذه الفعلة.

3- الضمير: وهو القيم والمبادئ التي تقوم عليها النفس، فغريزة الجنس مثلا هي غريزة أساسية ويمكن أن تحدث لنا إثارة منها، ولكن ضميرنا الممثل في القيم والمبادئ التي نحملها تمنعنا من اتخاذ سلوك غير سوي إزاء هذه الغريزة. فإذا تصرفت واعتديت على ما ليس لك فيه حق فلا تلومن إلا نفسك .
4- الإرادة المستقلة: ويعني هذا أن تكون لدينا القدرة على التصرف بحرية بعيدا عن المؤثرات الخارجية، كيف يحدث هذا؟ تخيل أن أحدهم يقول لك: إنك دائما تعطلنا عن العمل. هذا هو رأيه، ولكن ما رأيك أنت؟ إن إرادتك المستقلة سوف تجيب عن هذا السؤال بالطريقة التالية:
- اخرج خارج الدائرة المشتعلة في الحديث واسأل نفسك: هل صحيح أنني أعطلهم؟ وسوف تكون الإجابة واحدة من ثلاث: (نعم – لا – أحيانا)، إذا كانت الإجابة نعم فاعتذر فورا (قمة الإيجابية)، وإذا كانت الإجابة لا فوضح الأمر أو اتركه لحاله، وإذا كانت الإجابة (أحيانا) فادرس الموضوع، واعرف لماذا تحدث هذه العطلة، وبالتالي سوف تصبح في كل الأحوال القائد لزمام الأمور .
- لا تعتبر كل رأي يوجه إليك رأيا شخصيا، ولكن حكم عقلك وتجاربك وتخيلك في كل ما يعرض عليك، ومن قبلها ضميرك الممثل في القيم والمبادئ التي تحملها.

وفي بعض الأحيان يكون الفشل عنصر خير في حياة الإنسان، فهو الذي يكشف للمرء نقاط ضعفه، وينبهه إلى الثغرات الموجودة في عمله .. بينما استمرار الإنسان في تحقيق المكاسب والانتصارات، قد يخلق في نفسه الغرور، ويضعف من اهتمامه بالتقدم، ورفع مستوى العمل، وقد أشار القرآن الحكيم إلى هذه الحقيقة عند حديثه عن النكسة التي أصابت المسلمين في واقعة (أحد) يقول تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هـذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا} [آل عمران:165-167]
إنه تعالى يوبخ المسلمين على تعاملهم السلبي مع الهزيمة ويوجههم إلى الاستفادة الايجابية منها، بالعودة إلى أنفسهم {قلتم أنى هـذا قل هو من عند أنفسكم} واكتشاف النواقص والسلبيات التي اكتسبتها بعد تحقيق الانتصارات السابقة. ثم تتحدث الآيات عن البعد الايجابي للهزيمة في معرفة الثغرات المخبوءة داخل المجتمع الإسلامي وفرز العناصر المنافقة غير المخلصة، وتجلي صمود المؤمنين وثباتهم في مواقف المحنة والشدة {وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا}
ولكي يستطيع المرء أن ينجح في إثبات ذاته، عليه أن يضع في اعتباره النقاط التالية:

- الفشل ينبغي أن يكون معلما لنا وليس مقبرة لطموحاتنا، فالفشل ما هو إلا حالة تأخير وليس هزيمة، إنه تحول مؤقت عن الوصول إلى الهدف وليس نهاية مميتة، وهو شيء يمكننا تجنبه فقط بأن نقول أو نفعل.

- التعامل الايجابي مع الفشل: يكفي أن نعلم أن كثيرا من العباقرة توصلوا لاختراعاتهم عبر محاولات عديدة لم يكتب لها النجاح وكما يقول المثل العثرة تصلح المشي. فتوماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي عرف عنه أنه فشل في ذلك العديد من المرات، لكن في كل مرة كان يفشل فيها كان يقول: "أصبحت الآن أعرف طريقة أخرى لا يمكن أن يعمل بها المصباح الكهربائي".

- ليس هناك فشل حقيقي، فما ندعي بأنه فشل ما هو إلا خبرة قد اكتسبناها من واقع تجاربنا في الحياة، إذ أن الشخص الفاشل هو الذي لا يتعظ من تجاربه، ويعتبر أن الأمر منتهيا من حيث فشله!
- لا يوجد فشل بل توجد طريقة غير سليمة يمكن التعديل فيها أو تغييرها.

- الفشل مرة لا يعنى نهاية الطريق، ولذلك ينبغي إعادة المحاولة أو تغيير الطريقة
- الإيحاء يلعب دورا قويا في التغلب على الفشل وتوابعه، فنحن لا ننتظر من شخص يقول عن نفسه إنه فاشل أن يصبح ناجحا أو متفوقا، هذه معادلة مستحيلة التحقيق. والعكس صحيح، فلو أقنعت نفسك أنك ناجح وقوي ومقدام فستصبح كذلك بالفعل. لكن كيف يتحقق ذلك؟ سيتحقق بعمل واحد: اقهر مخاوفك، حاربها، اعتبرها عدوك الذي يريد أن يطرحك أرضا. ولا بأس أن تردد لنفسك دوما عكس ما تظنه فيها.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة