الكتاتيب

0 1238

تشير الروايات التاريخية إلى أن المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية الأساسية كانت تشتمل على تعليم القرآن الكريم وبعض علومه ـ بأسلوب سهل مبسط ـ قراءة وحفظا وتجويدا وتفسيرا، كما كانت تشتمل على التعريف بأحكام الصلاة والصوم ونحوهما من العبادات المألوفة المتكررة. وكانت المناهج تشتمل أيضا على تعليم القراءة والكتابة، وقواعد الخط الجميل، وقواعد النحو الميسر، وحفظ بعض الأشعار والمتون، التي تتضمن معالم الأحكام والآداب الدينية والاجتماعية والأخلاقية. وكان يتم في الكتاتيب أيضا تعليم العمليات الحسابية الأربعة ونحوها، والمعلومات العامة الأولية في التاريخ والجغرافيا والعلوم، ونحو ذلك من المهارات الحياتية والاجتماعية والسلوكية، التي يحتاجها تلاميذ المدارس الابتدائية في كل زمان ومكان، مما يسهل عليهم أمور حياتهم العامة، ويعودهم على تحمل المسؤولية المتوافقة مع قدراتهم .

دور الكتاتيب في تعزيز التقدم الثقافي والعلمي:
استمرت الكتاتيب في القيام بدورها الثقافي والعلمي والتربوي في المجتمعات الإسلامية، في شتى العواصم والمدن والبلدات والقرى، وربما تعددت الكتاتيب في الحي الواحد، مثلما تعددت المساجد. وقد حفلت المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتب التي صنفها العلماء والمعلمون والمؤدبون ونحوهم، وضمنوها أسماء وتراجم أشـهر المعلمين والمؤدبين في التاريخ الإسلامي، وذكروا واجبات المعلم والمتعلم، وطرق التربية والتعليم، وما يضمنه المعلم حال إضـراره بالمتعلم وضربه وتأديبه، ونحو هذا من الأحكام الفقهية، والأولـويات التي يبــدأ بها في الحركـة التعليمية، وغيـر ذلك مما تؤيـده كثيـر مـن النظريات والأفكار التربوية والتعليمية المعاصرة.

إنه ينبغي أن لا يغيب عن البال أن هذه الكتاتيب كانت نقطة الانطلاق للحضارة الإسلامية، حيث كانت تعد الأجيال الناشئة لمواصلة الدراسة والبحث والتخصص العلمي الدقيق، بعد أن تزودهم بمبادئ التحصيل، وتصقل مواهبهم، وتنمي ثقافاتهم وعلومهم وسلوكهم الاجتماعي ،وتعزز معارفهم وقاعدتهم الذهنية؛ ليصبحوا فيما بعد قادة الفكر والعلم والتربية. واستمرت تلك الكتاتيب تستمد الرعاية والعناية من الخلفاء والحكام والأثرياء المحسنين والعلماء العاملين، فأنبتت في كثير من الأحيان نباتا صالحا، أينع ثماره في مشاهير الحكام والقادة والعلماء والحكماء والفقهاء الذين قادوا المجتمعات الإسلامية نحو المجد والسؤدد.

أفول نجم الكتاتيب والدعوة إلى إرجاعها:
ثم مضت تلك القرون المعطاءة، وحل الوهن والشيخوخة في بقايا الكتاتيب، حتى ألغيت في كثير من الأقطار الإسلامية، أو تقلص دورها، لتنهض به _ من بعض الوجوه _ المؤسسات التعليمية الحديثة. هذا، وقد أصدرت العديد من الجهات العلمية والتربوية والبحثية ـ منها المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي بمصر ـ توصيات عدة، تطالب فيها بضرورة إعادة دور " الكتاتيب " وتفعيله كجهة مساندة للمؤسسات التعليمية الحديثة، في تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم اللغة العربية، وتعميق القيم الدينية، وغرس الخلق والفضيلة، ورعاية النشء، وصياغتهم صياغة سليمة، وبخاصة قبل دخولهم إلى المؤسسات التعليمية الحديثة؛ وذلك لما يشهد لهذه الكتاتيب ما قامت به من دور تاريخي ملموس وفعال في صياغة الأجيال الإسلامية، وقد تأيدت هذه الرغبات والتوصيات بنتائج استفتاءات أجريت في العديد من المواقع الالكترونية.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة