الإيمان الذي لا يرتد

0 1302

مما لاشك فيه أن أصل الحياة الطيبة في الدنيا وأساس السعادة في الآخرة هو الإيمان مع العمل الصالح ، يقول الله تبارك وتعالى: :{من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (97، سورة النحل).ويقول سبحانه:{ ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} (من الآية40، سورة غافر).
هذا الإيمان الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم أركانه في حديث جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، هو الذي يجلب لصاحبه السعادة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يزينه بزينة الإيمان ، في الحديث الذي رواه النسائي وصححه الألباني عن قيس بن عباد قال:صلى عمار بن ياسر بالقوم صلاة أخفها فكأنهم أنكروها، فقال: ألم أتم الركوع والسجود؟ قالوا: بلى، قال: أما إني دعوت فيها بدعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به: "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الإخلاص في الرضا والغضب، وأسألك نعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضاء بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة، وفتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين".

وإذا رزق العبد الإيمان والاستقامة فإنها أعظم كرامة فليجتهد في المحافظة عليها وليكثر من دعاء ربه أن يرزقه الثبات كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي روته الترمذي وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: "نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء".

وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يسأل الله تعالى الإيمان الذي لا يرتد –أي الإيمان المستمر الدائم الذي لا يزول- ويسأله النعيم الذي لا ينفد، وكان ذلك في صلاته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.. كما ثبت ذلك من حديث زر بن حبيش عن ابن مسعود قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهو بين أبي بكر وعمر وإذا ابن مسعود يصلي، وإذا هو يقرأ النساء، فانتهى إلى رأس المائة فجعل ابن مسعود يدعو وهو قائم يصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سل تعطه، سل تعطه" ثم قال: "من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه بقراءة بن أم عبد" فلما أصبح غدا إليه أبو بكر رضي الله عنه ليبشره وقال له: ما سألت الله البارحة؟ قال: قلت: "اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفد ومرافقة محمد في أعلى جنة الخلد" ثم جاء عمر رضي الله عنه فقيل له: إن أبا بكر قد سبقك، قال: يرحم الله أبا بكر ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه.

الإيمان والسعادة
لقد سجل الله في القرآن الكريم أن السعادة قرين الإيمان.
يقول الله جل وعلا: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}(الأنعام:82).
الأمن في قلوبهم وحياتهم ودنياهم وآخرتهم؛ ولذلك فإن المؤمنين كلما صح إيمانهم؛ قويت قلوبهم، وتمت سعادتهم.
وما أصاب الإنسان من نقص ذلك {فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}(الشورى:30).
الأستاذ "بودلي"رجل غربي، عاش في الصحراء الغربية بين الأعراب وارتدى زيهم، وأكل طعامهم، واشترى قطيعا من الغنم يرعاه في الصحراء.
وكتب كتابا عن الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه: (الرسول) .
عاش التجربة الغربية، وعاش التجربة الإسلامية عند مسلمين بسطاء عاديين، ليسوا علماء، ولا متخصصين ولا طلبة علم، إنهم رعاة في الصحراء فماذا يقول؟.

يقول: تعلمت من عرب الصحراء، كيف أتغلب على القلق؟
فهم يؤمنون بالقضاء والقدر، فيعيشون أوقاتهم بأمان، لكنهم لا يقفون مكتوفي الأيدي إزاء الكوارث التي يمكن أن تحل بهم.
يقول: هبت ذات يوم ريح عاصفة صحراوية رملية، فأهلكت كثيرا من الغنم, وألقت ببعضها في الرمال، ولما هدأت العاصفة كنت في غاية الانفعال والتأثر، بينما وجدت هؤلاء الأعراب يركض بعضهم إلى بعض، وينادي بعضهم بعضا، وهم يضحكون، ويهتفون بأغانيهم المعتاد، ويحمدون الله فيقولون: الحمد لله لقد بقي 40% من الأغنام لم تصب بأذى.
ولما رأوا تأثري؛ قالوا لي: إن الغضب والانفعال لا يصنع شيئا، وهذا أمر كتبه الله وقدره وقضاه.
يقول: ومع ذلك وجدتهم يحاولون جهدهم أن يتخلصوا من آثار الكارثة، وأن يعالجوها بقدر الإمكان.

فهم يؤمنون بالقضاء والقدر، ولكن لا يفهمون أن القضاء والقدر معناه الاستسلام، وترك العمل، وترك الأسباب.
يقول: وسافرت معهم ذات مرة بسيارة في الصحراء، وفي وسط الصحراء القاحلة توقفنا، فإذا بإحدى العجلات (إطار السيارة) قد انفجرت؛ فغضبت!
فقالوا لي: الغضب لا يصنع شيئا.
ومشت السيارة قليلا على ثلاث عجلات، ثم توقفت؛ لنكتشف بعد ذلك أن الوقود قد انتهى!
ووجدتهم ينزلون من السيارة ويدعونها جانبا، ثم يسيرون على أقدامهم، ويتقافزون مثل الظباء، بروح عالي، وسرور وبهجة وأنس، وهم يتناشدون الأشعار، ويتحدثون معي.
يقول هذا الرجل:
لقد أقنعتني الأعوام السبعة التي قضيتها في الصحراء أن الملتاثين، ومرضى النفوس، والسكيرين والمعربدين في أوروبا وأمريكا، ما هم إلا ضحايا المدنية الغربية، التي تتخذ من السرعة أساسا لها.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفد ومرافقة محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد.

 

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة