بين ختم الفاتحة بـ(آمين) وبدايتها بالحمدلة

0 1293
  • اسم الكاتب:إسلام ويب ( أ. د عبدالسلام مقبل المجيدي )

  • التصنيف:في ظلال آية

لما كانت الفاتحة دعاء جاء الختام بــ(آمين) بمعنى اللهم استجب، وهو ليس من الفاتحة، ولكنه يزيد الفاتحة ضياء، والتالي لها بهاء. وقد ثبت في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا آمين) -وفي رواية: (إذا أمن القارئ فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه). وروى البخاري في "الأدب المفرد" وابن ماجه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على السلام والتأمين)).

لماذا اختتمت الفاتحة بـ (التأمين) بخلاف السور التي تضمنت أدعية كسورة البقرة وسورة آل عمران فقد اختتمهما الله بالدعاء أيضا؟

ربما لأن الفاتحة كلها دعاء يتضمن الثناء، وقد أخرج الترمذي وحسنه والنسائي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله)، ولذا قال الله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}[يونس:10].

فالدعاء نوعان: دعاء تملق وتضرع وثناء، ودعاء مسألة وطلب ورجاء، وقد اجتمعا في الفاتحة بحمد الله. وعند الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (دعوة ذي النون إذا دعا وهو في بطن الحوت {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له)، وعنده أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). وسئل سفيان بن عيينة عن ذلك: لماذا كان أفضل الدعاء -أي مع أنه ثناء-؟ قال: ألم تسمع قول أمية ابن أبي الصلت في مدح عبدالله بن جدعان:

                          أأذكر حاجتي أم قد كفاني      حياؤك أن شيــــــــــمتك الحياء

                          إذا أثنى عليك المرء يومـا      كفــاه مــــــن تعرضــــه الثنـاء 

                          كريم لا يغـــيــــره صبــــاح      عن الخلق الجميل ولا مساء

قال سفيان: فهذا مخلوق حين نسب إلى الكرم اكتفى بالثناء والسؤال فيكف بالخالق المتعال جل وعلا.

ولمكانة دعاء الحمد كان لسان مقال النبيين، ومحل ترديد المبتهلين، فقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب "الشكر" بسند حسن عن علي بن أبي طالب قال: أتى بختنصر بدانيال النبي عليه السلام، فأمر به فحبس، و(أجاع) أسدين فألقاهما في جب معه، وطبق عليه وعلى الأسدين، ثم حبسه خمسة أيام مع الأسدين، ثم فتح غيبته بعد خمسة أيام، فوجد دانيال قائما يصلي والأسدين في ناحية الجب لم يعرضا له، فقال بختنصر: أخبرني ماذا قلت فدفع عنك؟. قال: قلت: (الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يخيب من رجاه، الحمد لله الذي لا يكل من توكل عليه إلى غيره، الحمد لله الذي هو يقينا حين تنقطع عنا الحيل، الحمد لله الذي هو رجاؤنا يوم تسوء ظنوننا وأعمالنا، الحمد لله الذي يكشف حزننا عند كربنا، الحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا، الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة).

(الحمد) أصل الأذكار

ذكر الله سبحانه وتعالى الباقيات الصالحات فقال: {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [الكهف:46]، فهي التي يجتني منها الإنسان أعظم الثواب من الله عز وجل، وبها يفتح أبواب الرجاء والأمل، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهن فيما رواه النسائي في "السنن الكبرى" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خذوا جنتكم) –أي درعكم الذي يحميكم- قالوا: يا رسول الله! أمن عدو قد حضر؟ قال: (لا! ولكن جنتكم من النار. قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مجنبات -أو منجيات- ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات)، وينبغي أن نعلم أن (الحمد لله) هي أصل الباقيات الصالحات.. لماذا؟ لأن (الحمد) هو الثناء، والثناء مرة يكون بإثبات الكمال المطلق لله، وهذا معنى (الله أكبر)، وتارة يكون بالاعتراف بالعجز عن درك الإدراك، وهذا معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وتارة يكون بالتعظيم ونفي النقص، وهذا معنى (سبحان الله)، وتارة يكون بإثبات استحقاقه للعبادة دون سواه، وهذا معنى (لا إله إلا الله).

فالكلمات الأربع (سبحان الله، والله أكبر، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله) كلها ترجع إلى (الحمد لله)؛ ولذلك قال  صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم: (والحمد لله تملأ الميزان).

ما معنى (اللام) قبل الاسم الأعظم في قوله (الحمد لله

الجواب: (اللام) للاستحقاق، فهو سبحانه الوحيد الذي يستحق الحمد، وتدل على الاختصاص، فغيره لا يستحق الحمد إلا تبعا له، لا على سبيل الانفراد، ولذا فإن الله سبحانه وتعالى افتتح (الكتاب) بالحمدلة، فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة:1، 2]، وقال: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} [الكهف:1]. وافتتح خلق الأكوان بها، فقال: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} [الأنعام:1]. واختتم ميزان العدل الإلهي في الآخرة بها، فقال: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} [الزمر:75]، ونحن نقول راجين من الله العفو والرحمة والقبول: 

                 ربي لك الحمد لا أحصي الجميل       إذا نفثت يوما شكاة القلب في كــرب! 

                  فلا تؤاخذ إذا زل اللسان، وما شيء       سوى الحمد في الضراء يجمل بي 

                  لك الحيـــاة كما ترضى بشاشتها        فيما تحب، و إن باتت على غضـــب 

                  رضيت في حبك الأيام جائرة          فـعــلقم الدهر إن أرضـــــاك كالعــذب
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة