فرجٌ قريب!!

0 1611

في كل مرة أعايش فيها محنة تتكرر المشاعر ذاتها، وكأنني لا أتعلم من تجاربي!

ليس أنا فحسب بل جنس ذلك الإنسان العجيب في عجلته وسرعة تحوله وغفلته حال السعة، ويأسه وتبرمه حال العسر والشدة، وصدق الله إذ يقول: {وإذآ أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا} (83) سورة الإسراء.

ينظر إلى حالة الضيق التي يمر بها وكأنها سرمد لا يزول، وينسى ما كان عليه قبلها من الفسحة والفيض والخير، ولا يستطيع تخيل ما سيأتي بعدها من الروح والفرج.

إن اليسر هو الأصل، وإنما يستخرج الله ببعض الشدائد منا ألوانا من العبوديات؛ غفلنا عنها حين سبحنا في تيار الحياة الرخي، فأراد بلطفه أن يسمع نجوانا وشكوانا، وأن يرى قلوبنا الموجوعة، وأن تترطب عيوننا ببعض الدمع الذي جف في مآقينا!

أعرف العسر الذي مر بي أو يمر وأقاسي مرارته وحرارته وقسوته، ولكني لا أحتسب ولا أدري من أين يأتيني الفرج، فربي يرزقني من حيث لا أحتسب، واليسر يأتي متنكرا ويطرق الباب كغريب!

ومن هنا ذكر الله العسر معرفا، وذكر اليسر منكرا فقال: {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا} (6،5) سورة الشرح، ربط الآية الأولى بما قبلها بالفاء؛ لأنها تعقيب على معاناة الرسول الكريم ووعد خاص له بالتيسير، أما الآية الثانية فجاءت مطلقة وقاعدة عامة لكل من ينتظر اليسر من الله تقول له: إن اليسر موجود وقائم وليس قادما أو منتظرا فحسب فهو (مع) العسر وهو بعده أيضا..

إنه يسر الرضا والصبر، ومن رزق الرضا فلا يبالي بما وراءه، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: الغنى والفقر مطيتان، والله ما أبالي أيهما ركبت!.

وجاء كثيرا في القرآن ذم من يعبد الله على (حرف) أي: على حال واحدة، فإذا تغيرت ترك ما كان عليه.

رضيت في حبك الأيام جائرة      فعلقم الدهر إن أرضاك كالعذب!

إنه يسر العطايا المغلفة يبعثها الله إلينا بصورة لا نتوقعها لتسوقنا بلطف إلى رحابه، وتساعدنا على معرفة جوانب ضعفنا، وتضع أقدامنا حيث كان يجب أن تكون.

إنه الألم الموجع الذي يعلمنا أن نقف مع الضعيف قبل أن نجري الحسابات ونلمح الأرباح والخسائر والمصالح الوقتية، فمن جرب وقع الظلم حري به أن يكره قليله وكثيره، وأن ينأى بنفسه عن مظنته، وأن يواسي المظلوم ولو بكلمة طيبة أو دعوة صالحة..

وكما يقول الشاعر:

لعمري لقدما عضني الجوع عضة      فآليت ألا أمنع الدهر جائعا!

إنه اللهب المقدس يأتي على كل الأصباغ والمظاهر الصورية التي نتزين بها وندعيها ولا يبقي لنا إلا الحقيقة المجردة نقف أمامها بلا تزييف.. هكذا نحن بمخاوفنا وأوهامنا، وحساباتنا الناقصة واستعجالنا، وتشاؤمنا ويأسنا..

إنه الميزان القسط الذي تطيش عنده ادعاءات، وتخور صداقات، وتثبت أخرى تقول لك: إن الدنيا لا تزال بخير، والطيبون فيها كثير!

إنه محاولة الدفع بالجهد البشري الضعيف، فلا تحتقر شيئا مهما قل، وعليك البدء وعلى الله التمام {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} ((25) سورة مريم)، إلى جنب التوكل على الحي الذي لا يموت، ولا يعجزه كرب أن يكشفه، ولا هم أن يرفعه، ولا بلاء أن يدفعه.

إنه انتظار الفرج من مؤمن تشرب قلبه الثقة بما عند الله، وكانت ثقته بما عند الله أعظم من ثقته بما عند نفسه، وانتظار الفرج إيمان وعبادة!

بالأمس كنت مع من تحب، وكنت فيما تحب، وأنت الآن محروم فلا تبتئس، سيعود إليك وتعود إليه بأفضل مما كان، فتنفس هواء الأمل، واستعد لفرحة الوصال، ولا تسمح لشباك اليأس أن تلتف عليك.

إذا رأيت الوداع فاصبر         ولا يهمنك البعاد

وانتظر العود من قريب     فإن قلب الوداع عادوا

 

{فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} ((36) سورة الشورى)، صدق الله العظيم.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة