الفاكهة العجيبة!

0 1481

أسرع...أكبر...أطول...أقوى...وغيرها من الألفاظ التي تدل على التفاضل...وتتحدث عن النزعة الإنسانية المستحدثة، وإن شئت فقل: آخر الصرعات التي أنتجتها حضارة القرن العشرين، حيث الاهتمام بما هو المقدم في كل شيء، حتى وصل الأمر بالبشرية أن أقاموا المسابقات على كل ما هو بارز في كل مجال ولو كان سيئا، ونظرة في موسوعة جينيس Guinness World Records ستحدثك عن ذلك بالتفصيل.

وفي هذا الإطار، تحدث المهتمون في هذا المجال عن أغلى عشرة فواكه على وجه الكرة الأرضية، ليس فيها ما يثير الاهتمام في المجال العقدي، سوى تلك الثمرة التي حازت على المرتبة العاشرة في سلسلة المفاضلة، ولها قصة عجيبة.

كمثرى بوذا buddha-pear، هذا هو اسمها، وقد استوحي -كما هو واضح- من شكلها المشابه لتمثال بوذا المعبود الأشهر في الشرق الأقصى، والرمز المقدس للديانة البوذية المنتشرة بين عدد كبير من الشعوب الآسيوية، حيث يدين بها أكثر من ستمائة مليون نسمة، ولا سيما اليابان والنيبال والصين وغيرها.

وتبدأ القصة من آخر دولة ذكرت في الفقرة السابقة: الصين، ففي ظل المعركة الطاحنة التي يخوضها البسطاء في هذا البلد لخوض معركة البقاء والكفاح من أجل العيش، قام أحد المزارعين الصينيين بالتفكير في طريقة جديدة يعرض بها مزروعاته، ويسوق بها منتوجاته، حتى توصل إلى فكرة "كمثرى بوذا"، وذلك عن طريق صناعة قوالب خاصة تشابه الإله بوذا، ثم يقوم بوضع تلك القوالب فوق ثمار الكمثرى وهي في مراحل نموها الأولى، حتى إذا كبرت ونضجت داخل تلك القوالب أخذت شكل بوذا.

ليس المبرر اقتصاديا فحسب، هكذا صرح المزارع الصيني "أكسيانزهانج هاو" Gao XianZhang للصحافة، بل له بعد ديني واضح، يبدأ من تعظيم هذا الإله، ويضاف إليه: اعتقاده بأن هذه الفاكهة طريق للخلود -بزعمه- من خلال تناول هذه الفاكهة العجيبة، مدعيا أن الأساطير تتنبأ بالخلود لمن يقوم بأكل ثمرة تشبه بوذا، ولا ندري تحديدا إن كانت الأسطورة تتحدث عن الخلود الدنيوي -وهذا مستبعد- أو أنها تتحدث عما بعد الموت؟

ولتفرد هذه الصنعة وقيمتها الدينية، فإن "أكسيانزهانج هاو" يقوم ببيع الحبة الواحدة من هذه الثمار بما يزيد عن تسعة دولارات -وهو مبلغ كبير في عرف الشعوب الصينية- إلا أنه يرفض وبشكل كامل الربط بين القيمة وبين الفاكهة، فقد اعتبر هذه القيمة ثمنا للخلود الذي تقدمه هذه الثمرة، وليست للفاكهة بحد ذاتها!.

ولا غرابة أن تلقى هذه الفاكهة استحسان قطاع عريض من الشعوب الصينية، وتنامى الإقبال عليها، خصوصا من أتباع الديانة البوذية، فقد انتشر بين أتباعها أن الحصول على كمثرى بوذا سبب لجلب الحظ السعيد لصاحبه.

وقفات مع الخبر

ولنا في هذا الخبر عدة وقفات:

أولا: أن نحمد الله تعالى على نعمة الإسلام ونعمة الإيمان، حيث أرسل لنا رسولا يقيم لنا التصورات الصحيحة الشاملة لكل شيء: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام:38)، ومن خلال ذلك علمنا الطريق الصحيح للخلود الحقيقي الذي بيتغيه كل مؤمن، خلود السعادة في جنات النعيم: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا} (النساء:57)، خلود ليس فيه للكافرين نصيب: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} (البينة:6)، وأمثال هذه النصوص كثير في القرآن.

ثانيا: أنه ومهما بلغت الدول من تقدم وحضارة، وإدراك للعلوم المادية، فليست معصومة من الضلال العقدي الذي يتناقض كل التناقض مع مبادئ العقل وسلامة التفكير، فالعقل الذي أوصلهم إلى ابتكار آلات بالغة التعقيد، هو نفسه الذي يؤمن بالأساطير والخرافات والأفكار الساذجة، التي لا تحتاج إلى كثير بيان في إبطالها، ففي قصتنا أن هذه الفاكهة يشتريها قطاع عريض من الشعوب الآسيوية، وفيهم ولا شك من هو رأس في العلوم الأكاديمية والمثقفون وغيرهم.

ثالثا: النظر في تسويل الشيطان لبعض الناس أن يقوموا بالعبث في الكون والتغيير في خلق الله، ولا شك أن صنيع هذا المزارع داخل في قول الله تعالى: {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} (النساء:119)، ولنتأمل في سياق الحديث التالي: (لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) متفق عليه. فإذا كانت هذه التصرفات من الوصل للشعر، ونتف الحاجب، وإحداث الفجوات بين الأسنان اعتبرت بالعرف النبوي تغييرا لخلق الله سبحانه، فكيف بمن يقوم بتشكيل ثمرة ويتدخل في نموها حتى تصبح تمثالا من التماثيل؟

رابعا: التعامل مع هذه الثمرة باعتبارها جالبة للحظ هو شرك أصغر، علته: إثبات الأسباب وادعاء أثرها دون دليل، فلا يقال بأن هذه الثمار سبب في تنزل الأرزاق، أو حصول الأمور المفرحة، وإثبات السببية لا يجوز إلا أن يكون من جهة الشرع، أو أن يكون سببا قد ثبت بالتجربة الواقعة أنه يؤثر تأثيرا ظاهرا حقيقيا لا يخفى على أحد، وكلاهما مفقود في مثالنا، ثم إن قلوب أصحاب هذه الثمار معلقة بسبب غير شرعي، وهذا معنى آخر من معاني الشرك الأصغر.

خامسا: التقديس الحاصل لمثل هذه الثمرة يفضي إلى عبادتها، كما حدث مع قوم نوح عليه السلام، حينما قاموا بتعظيم ود وسواع ويغوث وغيرهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما كما جاء في "صحيح البخاري": "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا. ولم تعبد. حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت"، على أن القوم قد وقعوا في الكفر الأكبر بعبادتهم لآلاف الأصنام غيرها.

سادسا: عند قراءة هذا الخبر تتداعى إلى الذهن الحالة الدينية التي كان عليها أهل الجاهلية، وقد نقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" عن القرطبي قوله: "إن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء، حتى إن بعضهم عمل صنمه من عجوة -تمر- ثم جاع فأكله"، ولعل ابن حجر لم يدر في خلده أن تمر الأيام والليالي حتى يتكرر المشهد بأكل أصنام من الفاكهة، تدخل الإنسان في تشكيلها، وتلك صورة من جاهلية القرن الحادي والعشرين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة