حسبنا الله ونعم الوكيل

0 1253

حسبي الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي فى النار، وقالها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قيل له بعد غزوة أحد أن قريشا ومن معها قد أجمعوا على الرجوع إلى المدينة المنورة واستئصال وإبادة المسلمين، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173)) رواه البخاري.

لما انصرف المشركون من غزوة أحد وأصابوا من المسلمين ما أصابوا لحكمة يريدها الله عز وجل، قال المسلمون في هم وحيرة: "أنى هذا ؟!"، وقد قال الله تعالى عن ذلك: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} (آل عمران:165). قال ابن كثير: " {قلتم أنى هذا} أي: من أين جرى علينا هذا؟ {قل هو من عند أنفسكم} أي: بسبب عصيانكم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم، يعني بذلك الرماة، {إن الله على كل شيء قدير} أي: ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه".
أحس النبي صلى الله عليه وسلم بما يقاسيه ويعانيه أصحابه من مرارة وحزن بعد أحد، وخشي أن يعود جيش المشركين لغزو المدينة، فقرر ـ رغم ما به هو وأصحابه من آلام وجراح ـ، أن يقوم بعملية مطاردة للمشركين، وكان ذلك صباح اليوم التالي من معركة أحد في شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة النبوية، قال ابن إسحاق: "كان أحد يوم السبت للنصف من شوال، فلما كان الغد يوم الأحد سادس عشر من شوال: أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وأن لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس، فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج معه فأذن له، وإنما خرج مرهبا للعدو، وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم". وعن عائشة رضي الله عنها أنها: (قرأت قول الله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} (آل عمران: 172)، فقالت لعروة ابن أختها: يا ابن أختي كان أبوك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد فانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، فانتدب منهم سبعين رجلا كان فيهم الزبير وأبو بكر) رواه البخاري.

سار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد، على بعد ثمانية أميال من المدينة المنورة، فعسكروا هناك وأقاموا فيها ثلاثة أيام، فلم يتشجع المشركون على لقائه، غير أن أبا سفيان حاول أن يشن حرب نفسية ضد المسلمين، فقد مر به ركب من عبد القيس يريد المدينة، فقال لهم: هل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة، وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبا بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة؟ قالوا: نعم، قال: فأبلغوا محمدا أنا قد أجمعنا الكرة (الرجعة) لنستأصله ونستأصل أصحابه. فمر هذا الركب بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال صلى الله عليه وسلم هو والمسلمون: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عن قاله: (حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173)) رواه البخاري، واستمر المسلمون في معسكرهم، فخاف أبو سفيان ومن معه وآثروا السلامة ورجعوا إلى مكة.

إن خروج النبي صلى الله عليه وسلم بجيش متعب مثقل بالآلام والجراح، وقولهم أمام تهديد وتخويف عدوهم لهم: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، هو خير رسالة لأعدائه بأن المسلمين لا زالوا أعزة قادرين على المواجهة، فلا يمكن أن يعوقهم أو يوقفهم عن مواصلة الجهاد في سبيل الله شيء، فأزال النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ما حدث لأصحابه في أحد، ورجعوا إلى المدينة المنورة أعزة مرفوعي الرأس، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قول الله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم * الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران:172: 175). قال القرطبي: "{وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} أي: كافينا الله"، وقال السعدي في تفسيره لهذه الآيات: "لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد هموا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا ـ على ما بهم من الجراح ـ استجابة لله ولرسوله، وطاعة لله ولرسوله، فوصلوا إلى حمراء الأسد، وجاءهم من جاءهم وقال لهم: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} وهموا باستئصالكم، تخويفا لهم وترهيبا، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بالله واتكالا عليه، {وقالوا حسبنا الله} أي: كافينا كل ما أهمنا {ونعم الوكيل} المفوض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم".

لا شك أن قولنا: "حسبنا الله ونعم الوكيل" له عظيم النفع وبالغ الأثر في كشف الضر والبلاء، لما فيه من اعتصام بالله عز وجل، وركون إليه، وتفويض الأمر له، وإظهار التوكل عليه سبحانه، وهو دعاء يناسب كل موقف يصيب المسلم فيه هم أو فزع أو خوف، أو شدة أو كرب أو مصيبة، فيكون لسان حاله ومقاله الالتجاء إلى الله، والاكتفاء بحمايته وجنابه العظيم عن الخلق أجمعين، ولذلك بوب النسائي على هذا الدعاء: "حسبنا الله ونعم الوكيل" بقوله: "ما يقول إذا خاف قوما"، وذكره ابن القيم في كتابه "الوابل الصيب" في فصل: "الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف سلطانا وغيره"، وقال ابن عثيمين:"(حسبنا) أي: كافينا في مهماتنا وملماتنا، (ونعم الوكيل) إنه نعم الكافي جل وعلا، فإنه نعم المولى ونعم النصير".. وقد قاله إبراهيم الخليل عليه السلام حين ألقي في النار، فصرف الله عنه شـر ألأشرار، وكفاه حـر النار، وجعلها بردا وسلاما عليه، قال الله تعالى: {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} (الأنبياء:69)، وقاله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام بعد غزوة أحد حين قيل لهم: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران:173)، فحفظهم الله عز وجل ورجعوا بعافية وفضل من ربهم، لم يمسسهم مكروه من عدوهم ولا أذى، قال الله تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} (آل عمران: 174).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة