ضرورة التمسك بالسنة

0 1509

في حجة الوداع، وبعين البصيرة وخبر من الوحي، استشرف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما سيكون في أمته من بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه، وفي الأعمال والأقوال والاعتقادات، ولقد استشعر الصحابة رضي الله عنهم خطورة الموقف، فطلبوا من نبيهم إضاءة تنير لهم سبيل النجاة، لتأتي لهم واضحة بينة لا غموض فيها.

(عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) هكذا نقلها لنا العرباض بن سارية رضي الله عنه، كما جاء عند الترمذي وأبي داود وابن ماجه في سننهم، إذن فهذا هو طريق النجاة من ظلمات الاختلاف والافتراق والأهواء والجهالات، ولم يكن مجرد حض على لزوم السنة، ولكن: (تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) وهي ألفاظ في غاية القوة تشعر بشدة الاستمساك؛ وحتى يفهم الأمر بشموليته جاء النهي عن الضد: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).

فلماذا كل هذا التشديد في شأن اتباع السنة؟ إنها رسالة بينة لأولي الألباب بأن طريق السعادة الأوحد لا يكون إلا على أيدي الرسل الذين أرسلهم الله لعباده، لأنهم ما وجدوا إلا لدلالة الناس إلى الخير، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ومن خلالهم يستدل السائر إلى الله تعالى معالم الطريق.

ولذا: فالحاجة إلى الرسل وإلى ما جاؤوا به أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب، يقول ابن القيم في تصوير هذا المعنى: "وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر والرياح والمطر، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته، ولا كحاجة العين إلى ضوئها، والجسم إلى الطعام والشراب، بل أعظم من ذلك، وأشد حاجة من كل ما يقدر ويخطر بالبال. فالرسل وسائط بين الله وبين خلقه في أمره ونهيه، وهم السفراء بينه وبين عباده".

والحاجة إلى الرسل تقتضي الحاجة إلى ما أعطاهم الله من البينات والهدى، فكان من الضرورة أن نتمسك بكل ما جاءنا به النبي –صلى الله عليه وسلم- فبه تحصل النجاة من عذاب الله، وانظر في ذلك إلى قول الزهري: "كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة.

ولذلك لا غنى لنا عن التمسك بالسنة إن أردنا أن نعرف الحق على وجه الإجمال والتفصيل، وأن نمتلك الميزان الراجح لمختلف الأقوال والأعمال والأخلاق والذي هو ميزان الشرع، ولنتأمل قول الحق تبارك وتعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }(آل عمران:103)، وقد فسر حبل الله بكتاب الله تعالى، وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم-، وذكر الحبل هنا على سبيل الاستعارة البلاغية بيانا أن النجاة والوصول إلى المطلوب حاصلة به، كما يقول الكرماني: "و كونهما –أي الكتاب والسنة- سببا لحصول المقصود هو الثواب، والنجاة من العذاب، كما أن الحبل سبب لحصول المقصود به من السقاء وغيره".

ولأن السنة القدرية حتمية في حدوث الاختلاف والافتراق، وكان لابد من وجود مرجعية واضحة يعرف بها الحق والباطل، يبرز عندها دور السنة ومكانتها وضرورة التمسك بها، نجد ذلك في قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} (النساء: 58، 59) فهو أمر صريح برد كل ما يتنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ ليجد المرء فيه الفصل في المسائل الخلافية، وبالتالي تكون الآية صريحة في بيان أن الرد إلى السنة من مقتضيات الإيمان ومن ضروراته.

والتمسك بالسنة في غاية الضرورة إذ به نستدفع عذاب الله علينا، وقد استل ابن القيم هذا المعنى الرائق من قوله تعالى لنبيه: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} (الأنفال: 33)، فقال: "تأمل كيف يفهم منه أنه إذا كان وجود بدنه وذاته فيهم دفع عنهم العذاب وهم أعداؤه، فكيف وجود سره والإيمان به ومحبته، ووجود ما جاء به إذا كان في قوم أو كان في شخص؟ أفليس دفعه العذاب عنهم بطريق الأولى والأحرى؟".

والجواب: بلى، وإلا لما كانت وصية النبي –صلى الله عليه وسلم- بالتمسك في السنة لأن هديه هو خير الهدي، وفي الحديث: (إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) رواه الحاكم في المستدرك بهذا اللفظ.

وجماع القول أن في لزوم السنة تمام السلامة ، وجماع الكرامة، فمن لزمها عصم، ومن خالفها وولى وجهه نحو البدع والمحدثات خسر وندم، ومن تمسك بالسنة ساد، وللبركة والسعادة نال واستزاد، ورجاؤنا عند الله أن يميتنا على سنته، ويحشرنا في ملته، وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة