ألد الخصام

0 1215

اللدد أشد الخصومة، ورجل ألد أي أنه واضح اللدد، شديد المخاصمة واللجاج، كثير الجدل بحق وبغير حق، وفلان يتلدد أي: يلتفت يمينا وشمالا، فهو يخاصم ويجادل ويراوغ في ذلك كله، فلا يرجع إلى الحق إذا ظهر له، بل يشتد في خصومته ويحتد في رأيه، فهو ذو مراوغة لا توصلك معه إلى حق أبدا.

ومن معاني اللدد في اللغة: الاعوجاج، والألد الأعوج الذي يخاصم على عوج، ويحاور على انحراف في مزاجه أو فكره فلا يستقيم على حق واضح فيما يقول، ويكون ميله إلى ما يوافق هواه ومراده هو، مهما كان ذلك المراد مخالفا للحق.

إن القاعدة التي ينطلق منها أصحاب اللدد في الخصومة، وعشاق الجدل الذي لا يوصل إلى الحق هي قاعدة التشدق والتفيهق، واستخدام الأساليب الملتوية، والعبارات اللزجة، والتزويق الفارغ، ولهذا يمكن أن ينال ما يقولون إعجاب بعض الناس خاصة حينما يسمعونهم يشهدون الله على ما في قلوبهم، ويتحدثون عن المراقبة والخوف من الله وهم يطرحون أفكارهم المنحرفة، وهذا ما نصت عليه آيات القرآن الكريم في صراحة ووضوح في قوله - تعالى -: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام}، فهناك قول يعجب، وهناك إشهاد من ذلك المجادل اللدد لله على ما يقول، ولكن ذلك كله من باب التمويه والتغطية، وكل ذلك لا يخفى على الله الذي يعلم الأسرار، كما أنه يظهر لأصحاب العلم والمعرفة بشؤون أولئك الألداء في خصوماتهم.

وهذا الكشف القرآني الكريم لهذه الفئة يعد نبراسا لابد أن نستضيء به دائما إذا سمعنا من أصحاب الأفكار المنحرفة بعض ما يعجبنا من زخرف القول، وسمعنا منهم بعض العبارات التي يطلقونها عن مراقبة الله - عز وجل -، لأن الفيصل في هذه المسألة يتمثل فيما يطرحه ذلك المجادل من الفكر المنحرف، والثقافة المستوردة، وهنا يصبح الأمر واضحا، فالعبرة بالنتيجة التي تبرز لنا حقيقة اللدود في خصومته.

ولهذا جاءت الآية القرآنية التالية للآية السابقة مؤكدة لسوء نية وطوية ذلك الألد المخاصم الذي يشهد الله على ما في قلبه، حيث يقول - تعالى -: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}.. أي إذا تولى ذلك الألد المخاصم إلى حزبه وجماعته، وجلس مجلسه المنزوي عن الأنظار، وعن وسائل الإعلام، وابتعد عن الأضواء التي جعلته يقول للناس كلاما منمقا لينال إعجاب من ينخدع به منهم، إذا تولى عن ذلك كله ظهرت حقيقته، وعاد مع أعوانه وأصحابه إلى حالتهم الحقيقية من السعي للإفساد، وإهلاك الناس بالفكر المنحرف والثقافة الضالة.

بل إن النص القرآني الكريم يزيدنا إيضاحا لحالة هذا الألد المخاصم المجادل، فيقول - تعالى - في الآية التي تلي الآيتين السابقتين: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالأثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}، هنا إيضاح قرآني صريح لحالة أهل اللدد والخصومة والأغراض السيئة في الحياة، فإن من أوضح صفات ذلك اللدود أنه لا يقبل النصيحة، وينفر من كلمة اتق الله" وتأخذه عزة نفسه الواهمة بالإثم حتى تجره إلى النار، ولذلك قال الله - تعالى -: {فحسبه جهنم ولبئس المهاد} أي أنها كفايته عقوبة له، كما أشار إلى ذلك المفسرون.

لا مجال للانخداع بعد هذا البيان القرآني الصادق الواضح، بأولئك الذين يتظاهرون بالرغبة في الخير، والإصلاح، وهم أصحاب لدد وخصومة وجدال لا تخفى على صاحب عقل وبصيرة.

ولقد رأيت من هذا الصنف من تنتفخ أوداجه، ويكفهر وجهه حينما تذكره بآية أو حديث، أو تقول له: اتق الله.

ومع ذلك فإن ساحة التوبة مفتوحة، وما دام نبراس الإسلام معنا فإن الحجة قائمة على كل من يوصف بأنه ألد الخصام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبدالرحمن العشماوي (المختار الإسلامي)

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة