الدعاة.. والعصاة

0 1002

هم صنف من أصناف المدعوين، نعني بهم من كان عنده أصل الإيمان، ويشهدون الشهادتين، ولكنهم لا يقومون بحقوق الشهادة فيخالفون في بعض الأوامر الشرعية، ويرتكبون بعض ما نهى عنه، وهم في ذلك بين مقل ومكثر.

ومعلوم أن هذا الصنف هو أكثر أصناف المدعوين من المسلمين، فالمسلم غير معصوم بل جاء في الحديث : [كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون]، والإيمان يزيد في قلب العبد وينقص، ووازع الله في قلب العبد قد يضعف مع طروء الغفلة وغلبة الشهوة، فيقبل الإنسان إغراء الشيطان وإغواءه فيقع في المعصية.

والمعصية تدل على جهل صاحبها، فلولا جهله ما عصى الله تعالى، إذ هو جاهل بقدر ربه وعظمته، وكمال إنعامه عليه وتمام فقر العبد إليه، جاهل باطلاع الله عليه وتمكنه منه، جاهل بضرر المعاصي وعواقب الذنوب، ولو علم ضررها واستحضر خطرها لفر منها أشد مما يفر من الأسود والعقارب والحيات .
وقد بين ربنا جهل العصاة في كتابه فقال : {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما}(النساء:17) ، قال مجاهد وغير واحد من أهل العلم : " كل من عصى الله خطأ أو عمدا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب" . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : "من جهالته عمل السوء". وقال مجاهد أيضا: "كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها".

ومما يدل على جهل العاصي اتكاله على عفو الله ورحمته، ونسيانه أن رحمة الله قريب من المحسنين، وأن من يرجو رحمة ربه يأخذ بأسبابها والتي من أهمها ترك الذنوب والمعاصي، فإن رجاءك رحمة من تعصيه خذلان وحماقة، وإنما يعظم الرجاء في حق من عمل له وسعى إليه كما قال سبحانه: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم}(البقرة:218) .

موقف الداعية من العصاة
إذا كان هذا حال العصاة فإن على الداعي أن ينظر إليهم نظرة إشفاق ورحمة، فهو يراهم كالواقفين على حافة واد عميق سحيق في ليلة ظلماء، فهو يخاف عليهم من السقوط، ويعمل جهده لتخليصهم من الهلاك، حاله كحال الدعاية الأول r ، حيث يقول : [ إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها ، وأنا آخذ بحجزكم وأنتم تفلتون مني .. أو قال تقحمون فيها...] الحديث .

فليس من حق الداعي ولا ينبغي له أن يحتقر العصاة وأن يفتخر بنفسه عليهم، ويدل عليهم بطاعته، وإنما يستحضر فضل الله عليه وحفظه وستره إياه، فلولا نعمة الله عليه لكان مثلهم أو أسوأ منهم، ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه لو اختلفت الأدوار.

والخلاصة أن إخراج أهل المعاصي من معاصيهم وتخليصهم منها وفتح طريق النجاة والتوبة والأوبة والعودة إلى الله أمامهم هي غاية الداعي وما يسعى له.

والداعية - وإن كان الأصل فيه عدم الغضب لنفسه أو لهواه - إلا أنه ينبغي أن يغضب إذا انتهكت محارم الله، لحديث عائشة رضي الله عنها : قالت عائشة -رضي الله عنها-: [ما انتقم رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله] (رواه الشيخان). وفي رواية قالت -رضي الله عنها-: [ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضبا].الحديث.

فإذا كان العاصي ممن يؤذي الدعاة وأهل الإيمان ويحاربهم وجب نصحه بما يغلب على الظن قبوله، فإذا تجبر ولم يقبل النصح جاز للداعية في هذه الأحوال أن يسلك معه ما يكف به ضرره عن الدعوة والدعاة بالقدر الذي يبيحه الشرع، دون تجاوز القدر، وأن يتوسل بالأسهل فالأسهل من الوسائل، مع الرغبة التامة في هدايتهم وصلاحهم، آخذا بالسبب، تاركا النتيجة على الله الذي بيده مفاتيح قلوب العباد {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}(القصص:56)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أصول الدعوة لعبدالكريم زيدان: بتصرف

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة