ظواهر لُغويّة في نحو الأحاديث النّبويّة 5-5

0 951

لاحظ بعض الباحثين المعاصرين قلة الدراسات المتخصصة المتعلقة بلغة الحديث النبوي الشريف، فقاموا بدراسة بناء الجملة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال فحص الأحاديث الواردة في صحيحي البخاري ومسلم على مائدة اللغة، فوقفوا على عدد من الظواهر اللغوية في نحو الأحاديث النبوية؛ ومن تلك الظواهر:

الأولى: أن يكون اسم (إن) لفظ الجلالة، وخبرها نكرة مؤكد.
ومثالها: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه، قال: (ما بال هذا؟) قالوا: نذر أن يمشي. قال: (إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني)، وأمره أن يركب. رواه مسلم.
فقوله: (لغني) خبر إن مؤكد باللام، وهذه اللام هي لام الابتداء.

الثانية: أن يكون اسم (إن) علم، وخبرها نكرة.
ومثالها: حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند موت ابنه إبراهيم: (....إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده) متفق عليه.
فـ(الشمس والقمر) اسم (إن) علم، وخبرها نكرة (آيتان).

الثالثة: أن يكون اسم (إن) اسم إشارة، وخبرها نكرة.
ومثالها: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قال: (ما لك أنفست؟) قلت: نعم، قال: (إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) متفق عليه.
فـ(هذا) اسم (إن) اسم إشارة، وخبر (إن) نكرة (أمر).

الرابعة: أن يكون اسم (إن) معرف بـ(أل)، وخبرها نكرة.
ومثالها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشىء من الدلجة) متفق عليه.
فـ(الدين) اسم (إن) معرف بـ(أل)، وخبرها نكرة (يسر).

الخامسة: أن يكون اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها نكرة.
ومثالها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة، فقال: (ويحك إن شأن الهجرة لشديد فهل لك من إبل؟) قال: نعم. قال: (فهل تؤتي صدقتها؟) قال: نعم. قال: (فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك شيئا) متفق عليه.
فقوله: (شأن) اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها نكرة (لشديد).

السادسة: أن يكون اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها نكرة مؤكد.
ومثالها: حديث عدي رضي الله عنه قال: أخذت عقالا أبيض، وعقالا أسود حتى كان بعض الليل نظرت فلم يستبينا، فلما أصبحت قلت: يا رسول الله! جعلت تحت وسادي عقالين، قال: (إن وسادك إذا لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك) متفق عليه.
فقوله: (وسادك) اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها نكرة مؤكد (لعريض).

السابعة: أن يكون اسم (إن) معرف بـ(أل)، وخبرها معرف بالإضافة.
ومثالها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث..) متفق عليه.
فقوله: (الظن) اسم (إن) معرف بـ(أل)، وخبرها معرف بالإضافة (أكذب).

الثامنة: أن يكون اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها علم.
ومثالها: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل أمة أمينا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح) متفق عليه.
فكلمة (أميننا) اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها علم (أبو عبيدة).

التاسعة: أن يكون اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها ضمير المتكلم.
ومثالها: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (...إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا) رواه البخاري.
فكلمة (أتقاكم) اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها ضمير المتكلم (أنا)، وهذا التركيب اللغوي يعد من غرائب الحديث النبوي الشريف وفرائده، أو من غرائب الصحيح كما وصفه ابن حجر في "فتح الباري"، وهو يدل على جواز إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل، وهو الأمر الذي منعه أكثر النحاة.

العاشرة: أن يكون اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها اسم موصول.
ومثالها: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعا: (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين، فحرم عليهم من أجل مسألته) متفق عليه.
فقوله: (أعظم) اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها اسم موصول (من).

الحادية عشر: أن يكون اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها معرف بـ(أل).
ومثالها: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) متفق عليه.
فقوله: (أبغض) اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها معرف بـ(أل) (الألد).

الثانية عشر: أن يكون اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها معرف بالإضافة.
ومثالها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (....واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه..) متفق عليه.
فكلمة (أعوج) اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها معرف بالإضافة (أعلاه).

الثالثة عشر: أن يكون اسم (إن) معرف بالإضافة، وخبرها مصدر مؤول.
ومثالها: حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا...) متفق عليه.
فكلمة (أول) اسم (إن) منصوب، وهو مضاف إلى الاسم الموصول (ما)، وخبرها المصدر المؤول من (أن)، والفعل بتقدير (صلاتنا) أو (الصلاة).

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة