كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيّته

0 2959

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) متفق عليه.

معنى الحديث

(كلكم راع): الراعي هو الحافظ المؤتمن، أو هو من وكل إليه تدبير الشيء وسياسته وحفظه ورعايته، مأخوذ من الرعي وهو الحفظ.

(وكلكم مسئول عن رعيته): الرعية كل ما يشمله حفظ الراعي ونظره.

قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته.

التوجيه النبوي في الحديث

ما من إنسان إلا قد وكل إليه أمر يدبره ويرعاه، فكلنا راع، وكلنا مطالب بالإحسان فيما استرعاه، ومسئول عنه أمام من لا تخفى عليه خافية، فإن قام بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيما، وثوابه جزيلا، وحسابه عند الله يسيرا، وإن قصر في الرعاية، وخان الأمانة، أضر بالأمة، وعسر على نفسه الحساب، وأوجب لها المقت والعذاب.

لذا يوجهنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف إلى وجوب القيام بحق الرعية وإرشادهم لمصالحهم الدينية والدنيوية، وردعهم عن ما يضرهم في دينهم ودنياهم.

وقفات مع التوجيه النبوي

أنواع المسئولية ومراتبها: تتفاوت المسئولية وتختلف باختلاف الرعية المنوطة بالراعي، فتارة تكون المسئولية كبيرة وواسعة، وتارة تكون المسئولية صغيرة ومحدودة، فالأمير والحاكم والإمام تكون مسئوليته كبيرة وواسعة، تشمل جميع أفراد الأمة، وتشمل جميع شؤون المجتمع، والرجل مسئوليته في جميع ما يخص أهل بيته، والمرأة مسئوليتها تتعلق ببيت زوجها وعيالها، والعبد أو الخادم مسئول وراع في مال سيده، والجميع سيكون مسئولا أمام الله جل وعلا عن رعيته.

مسئولية الأمير التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته): يكون الأمير أو الحاكم أو الإمام مسئولا عن منهم تحت ولايته، ويتحقق ذلك بإقامة العدل فيهم، ورد الحقوق لأصحابها، والاستماع لنصائحهم، والحرص على مصالحهم، وتذليل السبل لتنمية ثروتهم، والضرب على أيدي المفسدين والظالمين.

مسئولية الرجل التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم): يكون الرجل مسئولا عن أهل بيته، تربية وتعليما وتهذيبا وتقويما؛ ولذا ينبغي عليه الأخذ بهم عن طريق الدنايا، والابتعاد عن مواطن الريب، وتوفير ما يحتاجونه من سكن وطعام وشراب ولباس، كل ذلك في غير تقتير ولا إسراف، وليكن في بيته عينا راعية، وأذنا واعية، يتفقد الأمور، ويتحرى المصالح، ويقيم العدل في رعايا مملكته الصغيرة، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} (التحريم: 6).

مسئولية المرأة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم): تكون المرأة مسئولة في بيت زوجها، عن خدمة ورعاية زوجها، وتربية وإصلاح أبنائها، مع كونها حكيمة صبورة مدبرة، وعلى المال قائمة راعية حافظة له منمية.

مسئولية العبد أو الخادم التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه): يكون العبد أو الخادم مسئولا عن رعاية مال سيده، حافظا له مؤتمنا عليه، ينميه بما استطاع، ويحفظه من الضياع، ولا يخن سيده في ماله أو ولده أو أهله، ولينصح لسيده في كل ما له صلة به.

فائدة التوكيد في قول النبي صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث: (ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته): قال الإمام الطيبي رحمه الله تعالى: "إن الراعي ليس مطلوبا لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه؛ فينبغي أن لا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه، وهو تمثيل ليس في الباب ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه، فإنه أجمل أولا ثم فصل، وأتى بحرف التنبيه مكررا، والفاء في قوله: (ألا فكلكم) جواب شرط محذوف، وختم بما يشبه الفذلكة إشارة إلى استيفاء التفصيل"، وقال غيره: "دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد، فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات، ويجتنب المنهيات، فعلا ونطقا واعتقادا، فجوارحه وقواه وحواسه رعيته، ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعيا أن لا يكون مرعيا باعتبار آخر".

وبهذا يتبين لنا قيمة هذا الحديث الجليل، الذي يعد دعامة كبيرة في القيام بالواجبات والحقوق، والإحسان في الأعمال، والرعاية لما تحت اليد، كما أنه يقرر مسئولية كل فرد فيما وكل إليه من نفوس وأموال ومصالح وأعمال، نسأل الله تعالى أن يعيننا على القيام بمسئولياتنا خير قيام، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة