تشقق السماء يوم القيامة

0 1979

كثيرا ما يتناقل الناس في وسائل التواصل الاجتماعي ذلك المشهد الذي يتكرر يوميا آلاف المرات، ونعني به مشهد بيضة تفقس ويخرج منها مخلوق حي ضعيف، ولن نقف عند حدود هذا المشهد المتكرر الدال على عظمة الخالق في خلقه، وإبداعه في صنعه، ولكننا سننفذ من خلاله إلى مشهد آخر، ليس بينه وبين ما رأيناه في المقطع المرئي من قاسم مشترك سوى مسألة التشقق.

فإذا كان من عظمة خلق السماوات أن أقسم بها الله في قوله: {والسماء وما بناها} (الشمس: 5)، وجعلها دليلا واضحا وحجة دامغة للرد على منكري البعث ومستبعدي إعادة الله للأجساد: {أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها* رفع سمكها فسواها} (النازعات: 27-28)، وأومأ إلى إحكام صنعها وبديع خلقها: {الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} (تبارك: 3-4)، لينفي عنها النقص من كل وجه، فإننا أمام مشهد مغاير يشهد تبدل السماوات والأرض تبديلا: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} (إبراهيم: 48).

وإحدى ملامح التبدل والتغير الحاصلة للسماء يوم القيامة، ما سيحدث فيها من تشققات وانصداعات، تتخللها وتكون سببا في انهيارها.

الانشقاق بين اللغة والشرع

حتى نفهم هذه الحادثة الكونية الأخروية وندرك معناها جيدا، فإن علينا العودة إلى ما كتبه أهل اللغة في معاني الانشقاق، لنجد أنهم أرجعوها إلى معنى الانصداع الحاصل في الشيء، فيقول قائلهم: شققت الشيء أشقه شقا: إذا صدعته وكسرته، ومن هذا الباب: الشقاق، وهو الخلاف، وذلك إذا انصدعت الجماعة وتفرقت يقال: شقوا عصا المسلمين.

وأما معنى تشقق السماء في الشرع فهو متطابق مع معناه في اللغة، فتشقق السماء هو تصدعها وتكسرها، وعلى ذلك اتفقت كلمة المفسرون للآيات التي تناولت مسألة الانشقاق، فهذا شيخ المفسرين الإمام الطبري يقول في معناها: " إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبوابا".

ومن المهم هنا التنبيه إلى أن بعض العلماء وعند ذكرهم لمعنى التشقق –والذي هو في الأصل دال على التصدع- ذكروا في ثنايا حديثهم، أمورا ليست هي من صميم معنى التشقق، بل هي من توابعه ومآلاته، فمثلا نجدهم يذكرون تقطع السماوات وانتثارها، أو يذكرون تفتح أبوابها، أو يشيرون إلى تنزل الملائكة وتفتح أبواب السماء.

ونمثل لما سبق بقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري حيث قال: " القول في تأويل قوله تعالى: {إذا السماء انشقت} (الانشقاق:1). يقول تعالى ذكره: إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبوابا".

والحق أن هذا المنحى من تفسير المعاني ليس جاريا على طريقة أهل المنطق الذين التزموا عند تعريف الأمور أن يذكروا الحدود الجامعة –التي تجمع أطراف المعنى- المانعة –من دخول ما ليس مقصودا في المعنى-، وإنما قد يفسرون الشيء بذكر مثاله، أو توابعه، أو أهم شواهده.

الأدلة عليه من الشرع

ورد ذكر تشقق السماء كقضية غيبية أخروية، وذلك في الآيات التالية:

الآية الأولى: قول الله تعالى: {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا} (الفرقان: 25).

الآية الثانية: قول الله تعالى: {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان} (الرحمن: 37).

الآية الثالثة: قول الله تعالى: {وانشقت السماء فهي يومئذ واهية} (الحاقة: 16).

الآية الرابعة: قول الله تعالى: {إذا السماء انشقت* وأذنت لربها وحقت} (الانشقاق: 1-2).

دلالة التشقق

ثمة تباين واضح بين مشهد السماء في الدنيا وصورتها في الآخرة، ففي حين نرى في الدنيا صلابتها وإحكامها و"حبكها" أي إتقان صنعها، كما هو في التعبير القرآني: {والسماء ذات الحبك} (الذاريات: 7) إذا بها يصيبها الوهن والضعف والصدوع، وهي في ذلك حلقة من سلسلة طويلة من التغيرات الكونية الحاصلة يوم القيامة، والشاملة لأفراد الخلق كلهم، وما ذلك -والعلم عند الله- إلا تنبيه على عظمة الخالق وإرادته النافذة، وأنه سبحانه وتعالى المدبر لأمورها والمسير لها، وأليس للصدفة سببية في هذا النظام الكوني كما يزعم الملاحدة، فتلك القوانين التي تتماشى معها منظومة الكون هي بيد خالقها، فلذلك اقتضت مشيئته أن يحدث ذلك الاضطراب الكوني للدلالة على عظمة الخالق وكمال سطوته وقهره: {وهو القاهر فوق عباده} (الأنعام:18)، وتسمة سبحانه بــ{مالك يوم الدين} (الفاتحة:4) الذي هو يوم القيامة، ولذلك أيضا يقضي بزوال الأملاك والممالك عن سواه تعالى في ذلك اليوم، وتفرده فيه بالملك: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} (غافر:16).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة