(كَأنَّ) في جُملة الحديث النّبويّ

0 651

(كأن) حرف ناسخ من أخوات (إن) ينصب الاسم ويرفع الخبر، يفيد التشبيه إذا كان خبره جامدا، وإذا دخلت عليه (ما) الزائدة كفته عن العمل؛ تقول: بدا كأنه قمر، وقولك: كأن شيئا لم يكن: أي يجب نسيان الماضي وبدء علاقة جديدة.

قال سيبويه: "وسألت الخليل عن (كأن) فزعم أنها (إن) لحقتها الكاف للتشبيه، فصارت معها بمنزلة كلمة واحدة"، وتابع سيبويه والخليل في تركيب (كأن) جمهور النحاة؛ مثل: الأخفش، والفراء، وابن قتيبة، وابن السراج، وابن جني، والعكبري، وابن مالك، والسيوطي، والأشموني.

لكن فريقا من النحاة ذهب إلى أن (كأن) بسيطة؛ منهم: أبو حيان، والمالقي، وابن هشام؛ بل إن المالقي ذكر في (رصف المباني) أن الذين قالوا بتركيبها قلة، وراح يعلل كونها بسيطة غير مركبة.

وقد اتفق النحاة على أن (كأن) تفيد التشبيه، والذين قالوا: إنها مركبة هي عندهم تفيد التوكيد أيضا.

وردت (كأن) في الحديث النبوي الشريف في جملة من الأحاديث الشريفة، لكن نسبة شيوعها أقل من الحرفين (إن)، و(أن)، واللغويون الذين درسوا جملة الحديث الشريف - في الصحيحين خاصة - حددوا عددا من الأنماط التي وردت فيها جملة (كأن)؛ وهي:

النمط الأول: أن يكون اسم (كأن) ظاهرا، وخبرها مفردا.

وقد ورد هذا النمط قليلا في الحديث النبوي الشريف، وورد الاسم معرفة، والخبر نكرة في بعض الأحاديث، والاسم معرفة، والخبر معرفة في بعضها الآخر، ومن أمثلة هذا النمط في الحديث الشريف:

حديث عمرو بن تغلب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة) متفق عليه.

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال: (إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية) متفق عليه.

النمط الثاني: أن يكون اسم (كأن) ظاهرا، وخبرها جملة.

ورد هذا النمط بقلة في الحديث النبوي الشريف، وفي بعضه كانت الجملة الخبر فعلا ماضيا، وفي بعضها كانت جملة ناسخة، ومن أمثلة ذلك:

حديث سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة، فأولت أن وباء المدينة نقل إليها) متفق عليه.

وحديث أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن الصرف، فقال: أيدا بيد، قلت: نعم، قال: فلا بأس به، فأخبرت أبا سعيد، فقلت: إني سألت ابن عباس، عن الصرف، فقال: أيدا بيد، قلت: نعم، قال: فلا بأس به، قال: أو قال ذلك: إنا سنكتب إليه، فلا يفتيكموه، قال: فوالله لقد جاء بعض فتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر، فأنكره، فقال: (كأن هذا ليس من تمر أرضنا)، قال: كان في تمر أرضنا أو في تمرنا العام بعض الشيء، فأخذت هذا وزدت بعض الزيادة، فقال: (أضعفت أربيت، لا تقربن هذا، إذا رابك من تمرك شيء، فبعه ثم اشتر الذي تريد من التمر) رواه مسلم.

النمط الثالث: أن يكون اسم (كأن) ضميرا، وخبرها مفردا، أو جملة، أو شبه جملة.

وردت (كأن) واسمها ضمير في أحاديث قليلة تنوع فيها الخبر بين المفرد، والجملة، وشبه الجملة، وجاءت على نحو (كأني)، و(كأنه)، و(كأنهما)، و(كأنهم)، و(كأنما)، ومن الأمثلة من الأحاديث النبوية في الصحيحين:

حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على وادي الأزرق فقال: (ما هذا الوادي؟) فقيل: وادي الأزرق، فقال: (كأني أنظر إلى موسى بن عمران منهبطا له جؤار مع ربه بالتلبية)، ثم أتى على ثنية فقال: (ما هذه الثنية؟) فقيل: ثنية كذا وكذا، فقال: (كأني أنظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء جعدة خطامها من ليف وهو يلبي وعليه جبة من صوف) رواه مسلم.

وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها) رواه البخاري.

وحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليلة أسري بي رأيت موسى وإذا هو رجل ضرب رجل كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس وأنا أشبه ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، به ثم أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فقال: اشرب أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل: أخذت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك) رواه البخاري.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة