تابعوا بين الحجّ والعمرة

0 1157

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) رواه الترمذي والنسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

في رحاب الحديث

يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة): أي ائتوا بكل منهما عقب الآخر، بحيث يظهر الاهتمام بهما وإن تخلل بينهما زمن قليل، أو قاربوا بينهما إما بالقران أو التمتع، أو بفعل أحدهما إثر الآخر، والمراد الاهتمام بهما وعدم الإهمال، قال الإمام الطيبي رحمه الله: "أي إذا اعتمرتم فحجوا، وإذا حججتم فاعتمروا"، وقال المناوي: "نظمهما في سلك واحد ليفيد وجوب العمرة كالحج".

ثم يبين ثمرة ذلك فيقول: (فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة): أي أن الحج والاعتمار يزيلان الفقر؛ إما حقيقة وذلك بالغنى الذي يحصل بسببهما، وإما حكما بأن يبارك الله تعالى في رزق العبد، أو يرزقه غنى النفس والقناعة، فيعيش في الظاهر عيش الفقراء، وفي الباطن يستمتع استمتاع الأغنياء، حيث فسر بعض السلف قوله تعالى: {ووجدك عائلا فأغنى} (الضحى:8) بالقناعة وغنى النفس، لأن الآية مكية، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يومها له شيء من المال.

وأما نفي الذنوب فمعناه محوها جميعا وإزالتها، صغائرها وكبائرها، كما قال في الحديث الآخر: (عاد كيوم ولدته أمه)، ويؤيد ذلك قوله بعد ذلك: (كما ينفي الكير) وهو ما ينفخ فيه الحداد لإشعال النار، وما يفعل ذلك إلا لتصفية صحيح المعادن من زائفها، فكذلك الحج والعمرة، يصفيان العبد من الخطايا والذنوب، ويهذبان نفسه من المثالب والعيوب، و(خبث الحديد والذهب والفضة): هو وسخها، أي ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا، وبذلك يصير الذهب خالصا، والفضة خالصة، والحديد خالصا، كذلك العبد يعود من حجه وعمرته خالصا من كل آفة.

ثم يختم بأجمل بشارة يتمناها كل مؤمن: (وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة): العمل (المبرور) هو الذي لا يخالطه إثم، مأخوذ من البر، وهو الطاعة، وقيل: هو المقبول، ومن علامة القبول أن يرجع خيرا مما كان، ولا يعاود المعاصي. وقيل: هو الذي لا رياء فيه. وقيل: الذي لا يتعقبه معصية، والمعنى أنه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه، بل لا بد أن يدخل الجنة.

من أسباب الرزق الحلال

يدل هذا الحديث دلالة واضحة أن الحج والعمرة من أسباب الرزق الحلال والسعة فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنهما ينفيان الفقر)، وليس مذهبة للمال ومفسدة للحال كما يظن البعض، فتقوى الله تبارك وتعالى خير جالب للرزق، قال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (الأعراف:96)، وقال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} (الطلاق:2-3)، وقال تعالى: {وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} (الجـن:16).
ونظير ضياع هذا المفهوم، أن بعض الناس أضاعوا الصلاة حرصا على الرزق ـ زعموا ـ، وجهلوا أو تجاهلوا أن الصلاة من أعظم أسباب الرزق الحلال، قال تعالى مبينا سبب انصراف الناس عن الصلاة: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} ثم قال في الآية التي تليها: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} (طـه:131-132)، فانظر كيف بين أن الرزق الحلال لا طريق إليه إلا بإقام الصلاة والصبر عليها، وأمر الأهل بها.

فلا تفوت مواسم الخير والطاعة في الحج والعمرة خشية الفقر أو قلة المال، واحرص على المتابعة بين الحج والعمرة؛ امتثالا لأمر نبيك صلى الله عليه وسلم، حتى يمحو الله ذنوبك، ويوسع رزقك، ويتقبل منك، ويجعل مثواك الجنة.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة