الكوثر والحوض من الخصائص النبوية

0 1912

من الفوائد الهامة لدراسة السيرة النبوية معرفة خصائص وفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم، التي خصه الله تعالى بها، وفضله على غيره من الأنبياء والرسل، والتي تدل على علو قدره ومنزلته عند ربه عز وجل، قال محمد بن الحسين: "قبيح بالمسلمين أن يجهلوا معرفة فضائل نبيهم صلى الله عليه وسلم، وما خصه الله عز وجل به من الكرامات والشرف في الدنيا والآخرة".

والكوثر نهر عظيم من خصائص وفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم في الآخرة، وهو يصب في حوض له صلى الله عليه وسلم ـ فهو مادة الحوض، كما قال ابن حجر في "الفتح" ـ، وهو المراد في قول الله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} (الكوثر:1)، قال السعدي: "قول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ممتنا عليه: {إنا أعطيناك الكوثر} أي: الخير الكثير، والفضل الغزير، الذي من جملته ما يعطيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من النهر الذي يقال له {الكوثر}، ومن الحوض الذي يقال له: الكوثر".. وقد جاء في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوجوده الآن، وأقسم على ذلك، لعظم شأنه، وأهمية تعريف الأمة به، حتى يأخذوا بأسباب الورود عليه، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: (إني فرطكم (سابقكم)، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن)، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الكوثر؟) فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، وحوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم) رواه مسلم.

و(الكوثر) و(الحوض) ماؤهما واحد، ويطلق على كل منهما اسم الكوثر، قال ابن حجر: "الكوثر نهر داخل الجنة، وماؤه يصب في الحوض، ويطلق على الحوض كوثر؛ لكونه يمد منه"، والأحاديث الصحيحة الواردة في ذكر صفات نهر الكوثر والحوض كثيرة، وهي تجعل المؤمن في شوق إلى وروده، والارتواء منه، ومن هذه الأحاديث:

نهر الكوثر:

عن أنس رضي الله عنه قال: (بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة, ثم رفع رأسه متبسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: {إنا أعطيناك الكوثر} إلى آخرها, ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير, وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة) رواه مسلم، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج) رواه الترمذي وصححه الألباني، وفي رواية لأحمد وصححها الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم‏ ‏سئل عن الكوثر، فقال: (ذاك نهر أعطانيه الله ـيعني في الجنةـ أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر(الإبل)، قال عمر: إن تلك لطير ناعمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلتها أنعم منها يا ‏عمر)، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم (سابقكم) على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا) رواه البخاري. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (بينا أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، قال: فضرب الملك بيده، فإذا طينه أو طيبه مسك أزفر) رواه مسلم، وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعطيت الكوثر، فإذا هو نهر يجري على ظهر الأرض، حافتاه قباب اللؤلؤ، ليس مسقوفا، فضربت بيدي إلى تربته، فإذا تربته مسك أذفر، وحصباؤه اللؤلؤ) رواه أحمد وصححه الألباني.
 
الحوض:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبدا) رواه البخاري. وعن أنس‏ رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (ترى فيه (الحوض) أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء) رواه مسلم، وفي رواية أخرى: (أو أكثر من عدد نجوم السماء).

وعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن عرضه (الحوض) فقال: (من مقامي إلى عمان، وسئل عن شرابه فقال: أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة, أحدهما من ذهب والآخر من ورق (فضة) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (حوضي مسيرة شهر) رواه البخاري، وفي رواية أخرى للبخاري أن سعة الحوض: (كما بين المدينة وصنعاء)، وفي رواية لمسلم: (بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة)، وفي رواية لابن ماجه وصححها الألباني: (إن لي حوضا ما بين الكعبة وبيت المقدس)، وفي رواية عند الترمذي وصححها الألباني: (حوضي من عدن إلى عمان البلقاء).. وقد جمع القرطبي بين تلك الروايات فقال: "ظن بعض الناس أن هذه التحديدات في أحاديث الحوض اضطراب واختلاف، وليس كذلك، وإنما تحدث النبي صلى الله عليه و سلم بحديث الحوض مرات عديدة، وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة، مخاطبا كل طائفة بما كانت تعرف من مسافات مواضعها.. فخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها".

من يدفع ويبعد عن الحوض:

ليس كل من انتمى للأمة المحمدية سينال نعمة وشرف الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، بل صرحت بعض الأحاديث أن هناك من هذه الأمة من يدفع عن الحوض، ويحرم من الشرب منه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا فرطكم (أتقدمكم) على الحوض، فمن ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي) رواه البخاري.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه: (إني على الحوض، أنتظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال، فلأقولن: أي رب! مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم) رواه مسلم.

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا رب! مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله! ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما الكوثر؟) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه أو فيه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء فيختلج، (ينتزع) العبد منهم، فأقول: يا رب إنه من أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدث بعدك) رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ليردن علي ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم، اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقال لي: لا تدري ما أحدثوا بعدك) رواه البخاري.

قال النووي في "شرح مسلم": "هذا مما اختلف العلماء في المراد منه على أقوال: أحدها أن المراد به المنافقون والمرتدون؛ فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء ممن وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك، أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم. والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك. والثالث: أن المراد أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار، بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم، ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى، فيدخلهم الجنة بغير عذاب".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (والذي نفسي بيده، لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض) رواه البخاري. وفي كتاب: "منحة الباري بشرح صحيح البخاري": (لأذودن) أي: لأطردن رجالا، (عن حوضي) هم المنافقون، أو المرتدون، أو أصحاب الكبائر، أو المحدث في الدين، كالمبتدعة والظلمة، (كما تذاد الغريبة) أي: كما تطرد الناقة الغريبة (من الإبل) إذا أرادت الشرب معها".

الكوثر والحوض خصوصية عظيمة من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم، فعلينا أن نحرص على اتباعه والاقتداء به، وطاعته وعدم مخالفته، رجاء أن يمن الله عز وجل علينا بالشرب من حوضه المبارك، فأي فضل وشرف لمن شرب منه يوم القيامة، وأي خزي وحسرة وندامة لمن يدفع ويبعد عنه، وقد بلغ به العطش مبلغا لا يطاق ولا يحتمل.. نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يرد حوضه صلى الله عليه وسلم، ويشرب من مائه شربة لا يعطش بعدها أبدا.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة