التشابه الجيني بين الإنسان والشمبانزي

0 665
  • اسم الكاتب:د.هيثم طلعت-إسلام ويب

  • التصنيف:المقالات

قوام نظرية التطور على الأحافير والطفرات والتشابه الجيني بين الإنسان والشمبانزي، والمسألتان الأولى والثانية فصلنا فيهما في المقالات السابقة وبقيت مسألة التشابه الجيني بين الإنسان والشمبانزي والتي نفرد لها هذا المقال!

يزعم التطوريون أن نسبة التشابه الجيني بين الإنسان والشمبانزي تقترب من 98% وهذا يقطع بوجود السلف المشترك. -1-

حيث تؤخذ هذه المعلومة كدليل قاطع على تطور الإنسان والقرود من أسلاف مشتركة!

لكن ماذا يعني هذا التشابه الجيني؟

دعونا في البداية نفصل الأمر: يتكون الجينوم من أربعة أسس نكليوتيدية Nucleotides فقط وهي C وG وT وA وبتراتب هذه القواعد جنبا إلى جنب تعطي شفرات لإنتاج بروتين. فمثلا بروتين الهيموجلوبين يتكون من آلاف القواعد النكليوتيدية التي تصطف بترتيب معين ودقة متناهية، ولو تبدل حرف مكان آخر أو سقط حرف فإن هذا يعني خلل في الهيموجلوبين الناشيء. فالأسس النكليوتيدية مثل حروف اللغة عندما تجمع بعض الحروف تستطيع تكوين جملة مفيدة ولو سقط منها حرف فقد ينقلب المعنى تماما.
هذه المقدمة التبسيطية تطرح ثلاث قضايا في غاية الأهمية.

القضية الأولى: أن التشفير نتاج خلق. فعندما يتم تشفير معلومة ستستخدم في مرحلة لاحقة –بناء بروتين متخصص-، هذا يعني بالبداهة العقلية أن واضع التشفير يعلم قيمة هذه المعلومة ويعلم كيف توضع وبأي ترتيب ستوضع، فالتشفير هو منظومة معلوماتية Know How وليس منظومة مادية والمعلومة لا ينتجها إلا عالم وقادر وصانع وقبل ذلك بداهة هو موجود، فالتشفير لمن تدبر يسقط فكرة الإلحاد ككل!

القضية الثانية: ما المانع أن يصنع الخالق بنفس الطريقة أغلب المنظومات الحياتية؟

أليست هذه شهادة على وحدة الصانع؟

{ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} (٣) سورة الملك!

القضية الثالثة: توجد أربع قواعد نكليوتيدية كما أوضحنا، وبالتالي فإن أي تراص عشوائي سيأتي بدرجة تشابه تتجاوز 25% ، وبناء على ذلك فأي دعوى تزعم التشابه لابد أن تأخذ هذه النسبة في الحسبان.

أضف إلى ما سبق أن: جينوم الشمبانزي أكبر بنسبة 10% من جينوم الإنسان. -2-

وبالتالي فإذا قمنا بترتيب DNA الخاص بالإنسان مع DNA الخاص الشمبانزي فإن 10% من DNA الشمبانزي لن يكون له مقابل عند الإنسان، وعند النظر إلى المسألة من هذه الزاوية نجد أنه لا بد أن يكون الفرق بين DNA الشمبانزي والإنسان 10% كحد أدنى على الأقل. -3-

لكن مؤخرا أشارت التقديرات إلى أن جينوم الإنسان والشمبانزي أكثر تقاربا من ناحية الحجم، وبغض النظر عن التقديرات الحالية فدعوى التقارب بنسبة 98% ظهرت حين كانت الحسابات تقول بوجود فارق 10% في حجم الجينوم بين الإنسان والشمبانزي فكيف استقام لهم ذلك؟

على كل حال فإن القول بتشابه DNA الإنسان والشمبانزي بنسبة 98% قول مضلل في الأصل؛ وهو يعود إلى العام 1987 حين قام عالمان تطوريان أحدهما يدعى سيبلي Sibley والآخر يدعى ألكوست Ahlquist بدراسة 30-40 بروتين في الشمبانزي ومقارنتها بتلك الموجودة في الإنسان، واستنتجـا أن نسبة التشابه في الجينـات بين الإنسان والشمبانزي هي 98.5 % وتم نشر البحث في مجلة تطورية شهيرة آنذاك. -4-

وتطايرت أنباء بحث سيبلي وألكوست وسارت به الركبان في شتى بقاع الأرض، حيث هناك قوافل من المتعطشين لأي دليل يثبت لهم صحة التطور فوجدوا في بحث سيبلي وألكوست مبتغاهم.


المزعج في هذا البحث أنه قديم فقد تم عام 1987 ولم نكن قد انتهينا بعد من مشروع الجينوم البشري ولا حتى قد ابتدأنا فيه! -5-

أيضا يوجد في الإنسان ما يزيد على 100 ألف بروتين مشفر داخل DNA فلا يعقل أن يتم تعميم دراسة 30 -40 بروتين على 100 ألف بروتين، ثم الخروج بنتيجة شمولية كتلك النتيجة التي روج لهـا من قبل التطوريون، إنه نوع من التدليس لا أكثر.

ومما يلفت النظر أن هذا البحث جرى من خلال تجربة قليلة الاستخدام وهي تجربة DNA التخليطي أو التهجيني DNA Hybridization، وهي تجربة غير دقيقة –حيث يتم تسخين جزء من جينوم الإنسان والشمبانزي اللذان يشفران ل30-40 بروتين ثم سمح لهما بالاقتران وقياس نسبة الأسس النكليوتيدية المتزاوجة-، وقد قام أحد العلماء ويدعى ساريش Sarichباستخدام نفس التجربة على نفس البروتينات التي قام بها العالمان واكتشف أن مصداقية أبحاثهم مثيرة للجدل، فالبيانات مبالغ فيها إلى حد كبير، ونسبة التشابه أقل من ذلك بكثير. -6-

وبغض النظر عما جرى في الثمانينيات والدعوى العريضة التي لم تكن توازيها دقة بقدرها، بغض النظر عن كل ذلك؛ فمشكلة دراسة تراص القواعد النكليوتيدية والتي يبلغ عددها أكثر من ثلاثة مليارات قاعدة أمر عسير للغاية، وقد وصفت مجلة أبحاث الجينوم Genome Research العلمية المحكمة المرموقة أن مقارنة جينوم الإنسان بذلك الخاص بالشمبانزي هو يشبه البحث عن إبرة في أكوام من القش. -7-
وعلى الرغم من تسليم المجلة بنسبة تقارب بين الإنسان والشمبانزي تصل إلى 96% وليس 98% إلا أنها تعترف بأن التراص بين القواعد النكليوتيدية ليس كل ما في الأمر.

فالقضية "معلومات" مشفرة لوظائف متخصصة ستظهر في الكائن الحي كما فصلنا منذ قليل.

ثم إن مسألة التشابه في القواعد النكليوتيدية والتركيبية والوظيفية بين الكائنـات الحية بديهة طبيعية لا تحتاج للتدليل عليهـا بالإثبات أو النفي!

فهي ضرورة حيـاتية لازمة للسلسلة الغذائية والهرم الغذائي، فما لا يريد أن يدركه التطوريون أن التشابه أمر حياتي حتمي، فمثلا لنفترض أن جزيء البروتين الذي يتكون من قواعد نيتروجينية وجزيئـات سكر خماسية في الإنسان هو مثلا قواعد زرنيخية وجزيئـات كوبلت في البقر، فساعتها لن تكتمل السلسلة الغذائية ولن يستفيد الإنسان من البقر وسيكون كل كائن حي بمثابة سم للكائن الحي الآخر، وتنهار منظومة الأسباب التي خلق الله بها العالم وتتوقف الحياة. فالتشابه ضرورة غذائية حتمية يعرفها الناس بالبداهة لاكتمال السلاسل الغذائية، وهو دليل على وحدة الصانع لو تدبرنا!

والتشابه الشديد مع الإنسان ليس أمرا حصريا بالشمبانزي! لكن هم يريدون التركيز على ذلك لدعاوى أيديولوجية ومقدمات عقائدية معلومة. وإلا فنسبة التشابه بين الإنسان والدجاج عالية للغاية طبقا لبحث أجرته جامعة كامبريدج University of Cambridge. -8-

أيضا نسبة تشابه الجينوم الخاص بالإنسان مع ديدان النيماتود nematode يصل إلى 75% وهذا حتما لا يعني أن 75% من جسد الإنسان مطابق للديدان. -9-
ونسبة التشابه بين الإنسان وذبابة الفاكهة 60%. -10-

وإذا أردت المزيد من العجائب في تشابه الجينوم بين الكائنات الحية فخذ هذه المعلومة المدهشة والمضحكة في آن:
نسبة التشابه بين الإنسان والفأر 99% ! -11-

فهل الإنسان أقرب للفأر من الشمبانزي؟

ألسنا لو اعتمدنا أحجية التشابه الجيني تلك، يمكننا أن نسقط بها شجرة التطور ككل؟

هل تريد المزيد؟

نسبة التشابه بين الإنسان ونبات الموز يزيد على 50%! -12-

وفي مجلة ساينتيفك أمريكان Scientific American التطورية الشهيرة عدد ديسمبر 2009 والتي تقوم بتعريبهـا مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أخذت المجلة لها عنوانا رئيسا في ذلك العدد وهو: ما الذي يجعلنـا بشرا what makes us human? ، وقامت الباحثة كاتبة المقال بدراسة متتالية الDNA في أحد الجينـات ويطلق عليه HAR1 في كل من الإنسان والشمبانزي والدجاج، واكتشفت أن المتتالية لل DNA بين الشمبانزي والدجاج تختلف في قاعدتين فقط من أصل 118 قاعدة بينما يصل الاختلاف بين الإنسان والشمبانزي إلى 18 قاعدة. -13-

وهذا يشكك في دلالة DNA وقدرته على التمييز بين الكائنـات الحية المختلفة، وأن الأمر لا يعدو كونه مجرد متتاليتات لقواعد نيتروجينية، وليس معنى أن مقاس حذاء الإنسان أقرب لمقاس حذاء التمساح من مقاس حذاء الفيل أننا والتماسيح من أصل واحد، فهذه سطحية في البحث.

ولذا يقول هنري جي Henry Gee المحرر العلمي في مجلة الطبيعة Nature الشهيرة عن مسألة وجود نسب بين الإنسان والحيوان بناء على تراص القواعد النكليوتيدية عن أن الأمر لا يعدو مجرد حدوته فيقول: " وكل ما في الأمر أنها مجرد حكاية أو حدوته من أحاجي منتصف الليل المسلية التي قد تكون موجهة أو مرشدة للإنسان في كثير من الأحيان إلا أنها ومع ذلك لا تستند لأي أساس علمي." -14-

فمسألة النسب والقرابة بين الإنسان والحيوانات بناء على تراص القواعد والمتتاليات وهم وخرافة؛ ونحن في حاجة ماسة وعاجلة إلى عدم الدفع بالعلم إلى دائرة الخرافة. -15-
والعلماء عليهم أن يكفوا عن أن يكونوا علماء أنسـاب .

فالإنسان لا يمكن تصنيفه كالأشياء بمجرد دراسة مجموعة المتتاليات النكليوتيدية التي تكون الجينوم الخاص به، أو بدراسة حجم الجمجمة أو بدراسة خطوط الكف!
الإنسان لا يمكن فهمه أو قولبته بدراسة متتالياته ومقارنتها بغيره، وإلا فلا نلوم على من يستخدم تفاصيل الوجه أو مقاس الجمجمة في تحديد الشخصية وتصنيف البشر فكلها علوم زائفة Pseudo-science وحري بالعلم أن يتخطاها حتى يبقى على احترامه!

هوامش المقال
---------------
1- http://www.sciencedaily.com/releases/2006/10/061013104633.htm
2- C. Pellicciari, D. Formenti, e. A. Redi, and M. G. Mandfredi Romanini, DNA Content Variability in Primates, Journal of Human Evolution 11, p.131-141
3- تصميم الحياة، د.ويليام ديمبسكي ود.جوناثان ويلز، ترجمة د.مؤمن الحسن وآخرين، دار الكاتب ص32.
4- Sibley and Ahlquist, Journal of Molecular Evolution, vol. 26, pp. 99-121
5- بدأ العمل في مشروع الجينوم البشري Human Genome Project عام 1990 وتم الانتهاء منه عام 2001 تحت قيادة عالم البيولوجيا الشهير فرانسيس كولينز Francis Collins، وفي أثناء العمل في المشروع ترك فرانسيس كولينز الإلحاد بعد أن تأمل منظومة الخلق الإلهي في تجلياتها البديعه وكيفية تشفير الوظائف الحيوية بمنتهى الضبط والدقة.
http://en.wikipedia.org/wiki/Human_Genome_Project
وفي مرحلة لاحقة وضع فرانسيس كولينز كتابه لغة الإله of God The Language.
وقد خرج العالم الشهير مايرز Gene Myers في الأخبار عام 2001 بعد أن تم الانتهاء من مشروع الجينوم البشري وتحدث عن الميتافيزيقيـا التي تخترق العلم وعن ثمة خالق لابد من وجوده حتمـا ونشرت جريدة سان فرنسيسكو كرونيكل San Francisco Chronicle صبيحة ذلك اليوم تحت عنوان :-
Human Genome Map Has Scientists Talking About the Divine
علماء خريطة الجينات البشرية يتحدثون عن الخالق ..!!
http://www.sfgate.com/business/article/Human-Genome-Map-Has-Scientists-Talking-About-the-2950445.php
6- Sarich et al. 1989. Cladistics 5:3-32
7- Comparing the human and chimpanzee genomes: Searching for needles in a haystack
http://genome.cshlp.org/content/15/12/1746.full
8- New Scientist, v. 103, 16 August 1984, p. 19
9- New Scientist, 15 May 1999, p. 27
10- Hürriyet daily, 24 February 2000
11- http://www.nature.com/nature/journal/v420/n6915/full/420509a.html
12- http://seriousfacts.com/50-of-human-dna-is-the-same-as-a-bananas/
13- مجلة Scientific American عدد ديسمبر 2009 تعريب مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
14- Henry Gee, In Search of Deep Time, New York, The Free Press, 1999, p.116-117
15- John R. Durant, "The Myth of Human Evolution", New Universities Quarterly 35


 

مواد ذات صلة