الطيبون والطيبات

0 1165

أما المؤمنون الطيبون الذين طابت أنفسهم، وطابت أقوالهم، وطابت أخلاقهم، وطابت أعمالهم، فهم في رحاب الطيب، والطيبون في أطيب حياة، وأطيب مستقر: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} [التوبة:72]. 

الطيب والطيب كلمات جميلة، ومعان محببة، تستهوي النفوس الطيبة، وتعجب العقول الزكية؛ فلا أجمل وقعا، ولا أحسن لفظا، ولا أمتع معنى من أن يقال رجل طيب، أو امرأة طيبة، أو كسب طيب، أو حياة طيبة، أو منزل طيب، أو كلمة طيبة، أو عاقبة طيبة.

ولسمو الطيب وزكائه ونقائه وصفائه وبهائه اختاره الله -تعالى- لنفسه؛ فهو -جل وعلا- طيب ولا يقبل إلا طيبا، ويحب الطيب وأهله، وجعل الطيب بحذافيره في الجنة، والخبث بحذافيره في النار. وقد اختار -تعالى- من كل جنس من أجناس المخلوقات أطيبه، واختصه لنفسه، وارتضاه دون غيره، {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر:10]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا".

وإن الطيب من خلقه تعالى لا يقبل إلا الطيب، ولا يناسبه إلا الطيب، ولا تسكن نفسه إلا إلى الطيب، ولا يحب من الأعمال إلا الطيب، ولا يأكل إلا الطيب، ولا يهوى من الأخلاق إلا أطيبها وأزكاها، وهو أبعد ما يكون من أخبثها، ولا يختار من المأكل والمشرب إلا أطيبه، ولا من النساء إلا أطيبهن، ولا من الأصحاب إلا أطيبهم، فروحه طيبة، وبدنه طيب، وخلقه طيب، وعمله طيب، وكلامه طيب، ومطعمه طيب، وشربه طيب، وملبسه طيب، ومنقلبه طيب، ومدخله طيب، ومخرجه طيب، ومثواه طيب، فهذا هو الطيب، الذي قال تعالى في أمثاله: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل:32]، ومن الذين يقول لهم خزنة الجنة: {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}[الزمر:73].

ولقد اقتضت حكمة المولى -جل وعلا- أن تجمع هذه الحياة بين الخبيث والطيب، والحق والباطل، ليكون في ذلك التمايز والتفاضل، والامتحان والتمحيص؛ فمن ركن إلى الطيب كان حبيبا للطيب الأعلى -جل وعلا-، وجديرا بجيرته في جنات عدن الطيبة؛ ومن ركن إلى الخبيث كان بعيدا عنه -جل وعلا- بغيضا إلى الطيبين من عباده، نزيلا مع الخبثاء في دار الخبث والمهانة، (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون) [الأنفال:37].

هذا هو مصير الخبيث وأهله، إنهم حادوا عن الطيب والطيبين، إنهم حينما من الله عليهم بالطيبات والنعم جعلوها في غير طاعة الله، وسخروها في الخبائث، وبطروا واستكبروا واستمرؤوا كل فعل خبيث،{ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون}[الأحقاف:20].

أما المؤمنون الطيبون الذين طابت أنفسهم، وطابت أقوالهم، وطابت أخلاقهم، وطابت أعمالهم، فهم في رحاب الطيب والطيبين في أطيب حياة، وأطيب مستقر: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} [التوبة:72].لقد من الله عليهم بالجنان الطيبة لأنهم طيبون، ومن الله عليهم قبل ذلك بأن أحياهم حياة طيبة، فكانت الحياة الطيبة، والعاقبة الطيبة، {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل:97].

إنهم؛ بإيمانهم، وعملهم الصالح الطيب، استحقوا هذه المنازل الطيبة، وهداهم ربهم إلى العمل الطيب، والكلم الطيب، في الدنيا وفي الآخرة، {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير *وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد} [الحج:23-24].

لقد فازوا في الامتحان، ونجحوا في الابتلاء، وتميزوا في الدنيا بالانحياز الكامل إلى الطيب وأهله، وابتعدوا عن الخبث وأربابه، {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} [آل عمران:179].
الطيب قد ضرب الله -تعالى- له مثلا، فقال إن النفوس الطيبة في هذه الحياة هي كالأرض الطيبة الخصبة المباركة التي بمجرد أن ينزل عليها الغيث تهتز وتنبت من كل زوج بهيج، وتخرج نباتها الطيب المبارك. وكذلك هم بمجرد أن يسمعوا النداء الطيب، والكلم الطيب، وبمجرد أن يهمي غيث الوحي الهنيء على أنفسهم إذ بها تحيا وتسمو وتزكو وتزدهر.

أما الخبثاء فهم كالأرض السبخة القيعان، النكدة، لا يفيدها الغيث، ولا ينبتها السقي، إنه مثل حي رائع يصور هذا التمايز: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون} [الأعراف:58]. وهكذا يمتعنا القرآن الكريم بهذه التشبيهات الرائعة، والأمثال الأخاذة.

وانظر إلى هذا المثل الذي يملأ النفس بهجة، والقلب طربا، والفكر سلوانا؛ إنه المثل للكلمة الطيبة الزكية النقية التي يحبها الله، ويحبها الطيبون، وتتعشقها الأرواح الطيبة؛ والمثل الآخر للكلمة الخبيثة، ذات المصدر الخبيث، {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار * يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم:24-27].

النفوس الطيبة تميل إلى أجناسها، والنفوس الخبيثة تميل إلى أشكالها، فالطيبون من الرجال يحبون الطيبين من الرجال، والطيبات من النساء، والطيبات من الأعمال؛ والطيبات من النساء يحببن الطيبين من الرجال، والطيبات من النساء، والطيبات من الأخلاق، والطيبات من الأذواق.

ومن ارتضى الطيبات والطيبين في الدنيا كان كذلك في الآخرة معهم، ومن ارتضت الطيبات والطيبين في الدنيا كانت كذلك في الآخرة معهم، ومن ارتضى الخبيثات والخبيثين كان كذلك في الآخرة معهم، يقول تعالى: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم} [النور:26].

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة