تحديد دَلالة الحديث النّبويّ من خلال التَّوجيه النَّحويّ 2-2

0 1491

(التوجيه) مصدر الفعل الثلاثي المضعف العين (وجه)، ومن معانيه في المعجم العربي: يقال: وجهت الريح الحصى توجيها إذا ساقته، وقاد فلان فلانا فوجه، أي: انقاد، واتبع. وشيء موجه إذا جعل على جهة واحدة لا يختلف.

وقد ورد لفظ (التوجيه) بدلالته الاصطلاحية في أكثر من مبحث من مباحث العربية، فكان النحوي يوجه النص ليطابق القاعدة النحوية مستندا إلى قواعد الخطاب؛ ليتفق النص بذلك مع ضوابط العربية على وجه واحد.

وقد مر معنا -في المقال السابق- أن معرفة الحديث النبوي الشريف تنقسم إلى معرفة ذات، وصفات؛ فالذات هي معرفة وزن الكلمة وبنائها، وتأليف حروفها وضبطها، وأما الصفات فهي معرفة حركات الكلام وإعرابه؛ لئلا يختل فاعل بمفعول، أو خبر بأمر، أو غير ذلك من المعاني التي مبنى فهم الحديث النبوي عليها.

وعلم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفتها أمر عظيم، وشأن جليل، وله قواعد وأحكام يحتاج طالبه إلى معرفتها، والوقوف عليها بعد تقديم اللغة، والإعراب اللذين هما أصل لمعرفة الحديث النبوي الشريف.

وعلاقة التوجيه النحوي بالحديث الشريف علاقة قوية، حتى وصف من شغل نفسه بالحديث، وليس له حظ من العربية بأنكر الأوصاف.

وقد عمد بعض الباحثين اللغويين إلى دراسة التوجيه النحوي للأدوات في اللغة العربية، وأثره في تحديد دلالة الحديث النبوي الشريف؛ ومن هذه الأدوات:

ثالثا: (على).

وهي أداة -في اللغة- تكون حرفا، واسما، وفعلا؛ فالحرف على أحد عشر معنى، والاسم على معنى واحد، والفعل على أربعة معاني، إلا أن الغالب عليها هو الاستعلاء.

ومن دلالات (على) في الحديث النبوي: حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) متفق عليه.

قال أهل اللغة: إن (على) في هذا الحديث الشريف بمعنى (الباء)، وقيل: إنها بمعنى (من)، فإذا كانت (على) بمعنى (الباء) - ومعنى الإلصاق لا يفارق (الباء) - فالمعنى يكون: إن الله بنى الإسلام ملصقا بهذه الخمس.وإذا كانت (على) بمعنى (من) - والغالب على (من) ابتداء الغاية - فيكون المعنى: ابتداء بناء الإسلام كان بهذه الخمس، فأصول البناء هي هذه الخمس، أما بقية الواجبات فهي مكملات، ومتممات لهذا البناء.

رابعا: (اللام).

فرق النحاة بين (اللام) المكسورة العاملة، و(اللام) المفتوحة غير العاملة، وقسموا (اللام) المكسورة العاملة إلى: (اللام) الجارة، والناصبة، والجازمة.

و(اللام) الجارة لها معان عدة؛ منها: أن تكون بمعنى (إلى)، وتكون بمعنى التعليل، وتكون بمعنى (من أجل).

ومن دلالاتها اللغوية في الحديث النبوي الشريف: ما جاء في حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) متفق عليه.

قال أهل اللغة: (اللام) في (لدنيا) هي للتعليل، وقيل: بمعنى (إلى)، فإذا كانت (اللام) بمعنى (إلى) فيكون المعنى: أن انتهاء غايته من الهجرة هو إصابة الدنيا، فستنتهي غايته إليها، إذا قدر الله له ذلك.

أما إذا كانت (اللام) بمعنى التعليل؛ أي: (من أجل) فسيكون المعنى: إنه لم يهاجر ليصيب الدنيا فحسب؛ بل لغرض آخر.

ومن التوجيه النحوي للأدوات الواردة في لغة الحديث النبوي الشريف:

خامسا: (من).

وهي أداة لها معان عدة - أوصلها بعض اللغويين إلى سبعة عشر معنى - لكن المعنى الغالب عليها هو أن تكون لابتداء الغاية، ومن معانيها المشهورة أن تكون للتبعيض.

ومثالها في الحديث النبوي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) حديث حسن رواه الترمذي وغيره.

قال أهل اللغة: (من) الواردة في هذا الحديث الشريف إنما هي للتبعيض، وقيل: هي لابتداء الغاية، فإذا كانت للتبعيض يكون المعنى: إن ترك ما لا يعني ليس هو كل حسن الإسلام، وجميع حسن الإسلام: ترك ما لا يعني، وفعل ما يعني، وهذا معنى حسن.

وإذا كانت لابتداء الغاية الزمانية، فإن حسن إسلام المرء يبدأ بوقت تركه ما لا يعنيه؛ لأنه إذا ترك ما لا يعنيه فإنه سينشغل بما يعنيه، وبهذا يبدأ حسن إسلامه.

وهكذا تظهر أهمية دراسة التوجيه النحوي في اللغة العربية، وأثره في تحديد دلالة الحديث النبوي الشريف.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة