إشاعات السُّوء وموقف الإسلام منها

0 723
  • اسم الكاتب:الأستاذ / محمد الخضر الحسين

  • التصنيف:ثقافة و فكر

إشاعات السوء عن شؤون الأمة وسير أعمالها، وأهداف إصلاحاتها، ومقاصد رجالها، لا تقل ضررا في كيان الأمة، وسلامة الوطن عن التجسس للعدو على دخائلها، ومواطن قوتها وضعفها؛ فكل ذلك خدمة للعدو، وموالاة له، وقد خاطب الله المسلمين بقوله: (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) [الممتحنة: 1].
بل إن موالاة العدو في حال عدوانه، وترويج ما ينفعه في مضرة الإسلام وأهله - تخرج الموالين له عن تبعيتهم لأمتهم، وتلحقهم بأمة عدوهم، وفي ذلك يقول الله - عز وجل -: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) المائدة: 51.

ترويج إشاعات السوء:
ومن أشد ما يوالي به المنافقون من يكيد للأمة من أعدائها ترويج إشاعات السوء، والإصغاء إليها، وقد ورد في ذلك قول الله - عز وجل -: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا)[الأحزاب: 60-61].
وكان مما كانوا يرجفون به ما ذكره الله عنهم في قوله - عز وجل -: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)[الأحزاب: 12].

ولهؤلاء المنافقين خلفاء في كل عصر من عصور الإسلام، وفي كل وطن من أوطانه، يخذلون بين المؤمنين وينشرون الفتن ، ويشيعون السوء عن برامجهم وخططهم، وهذا مرض في القلوب، كما وصفه الله - عز وجل -، وعلى من يصاب بهذا المرض أن يعالج نفسه قبل أن يعالج بأحكام الله.
وفي هؤلاء أيضا ورد قول الله - سبحانه -: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) [النساء: 83]، أي: أفشوه حيث لا يكون من المصلحة العامة إذاعته وإفشاؤه، وقد يكون ما يذيعونه كذبا، ومضرا بالمصلحة، فيكون ذلك من الإثم المزدوج الذي طهر الله قلوب المؤمنين منه.
واللائق بالمسلمين إذا سمعوا قالة السوء أن يكونوا كما أراد الله للمسلمين في قوله - عز وجل -: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين) [النور: 12]، إلى أن قال - سبحانه -: (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم)[النور: 15-16].

ولما عاد المسلمون من غزوة أحد، كان فيهم من اختلفوا في الحكم على المنافقين والمرجفين؛ فقال فريق للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اقتلهم، وقال فريق: لا تقتلهم، فنزل في ذلك قول الله - عز وجل -: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) [النساء: 88]، وفي ذلك ورد الحديث النبوي: (إنها طيبة (أي المدينة)؛ تنفي خبثها كما تنفي النار خبث الحديد).
وأول فتنة في الإسلام - وهي الجرأة على خليفة رسول الله وصهره عثمان - كان منشؤها إشاعات السوء الكاذبة، وتضليل البسطاء وضعاف الأحلام، فجر ذلك على الأمة من الضرر ما لم تتوصل إلى مثله الدول المعادية بما لديها من جحافل وقوات حربية!
وفي الليلة الأخيرة قبل نشوب حرب الجمل، توصل أصحاب رسول الله من الفريقين إلى التفاهم على ما يرضي الله - عز وجل -، من إقامة الحدود الشرعية على من يثبت عليه أن له يدا في مصرع أمير المؤمنين عثمان، وبات أبناء كل فريق في معسكر الفريق الآخر بأنعم ليلة وأسعدها، وأرضاها لله، فما كان من القتلة ومن يتبعهم من قبائلهم إلا أن أنشبوا القتال في الصباح الباكر، وأشاعوا في كل معسكر من المعسكرين بأن المعسكر الثاني هو المهاجم له على خلاف ما اتفقوا عليه بالأمس، وبذلك كانت الإشاعات بين الطرفين أفتك بهما، وأضر على الإسلام من أسلحة البغاة الفاتكة.

أيها المسلمون: إن إشاعات السوء سلاح العدو، والذي يصغي إليها يمكن العدو من الفتك بالأمة والوطن، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم؛ فاعملوا في ذلك بهداية الله - عز وجل - وإرشاده حين يقول: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم)[النور: 16].
وعلى ولاة الأمر أن يتصرفوا فيمن يثبت عليهم ذلك؛ وفقا لحكم الله - تعالى -حين يقول لنبيه: (لئن لم ينته المنافقون ..... ) [الأحزاب: 60-61].
إن الأمة تجتاز اليوم مرحلة من أدق مراحلها في تاريخ نضالها العنيف، هي مرحلة تقرير المصير، وهذه المرحلة بما لها من الخطر والأثر في مستقبل الأمة وحاضرها تقتضي منا أن نتيقظ لكل ما يراد بنا، سواء من العدو الغاصب، أو من أعوانه، وأن نحذر دعاة الفتنة، والذين يعملون على إشاعتها بين طبقات الأمة، ولنعلم أن هؤلاء وأولئك يستهدفون غرضا واحدا، ويعملون لغاية واحدة، هي تمزيق الشمل، وتشتيت الجمع، وتفريق الكلمة، وإشاعة الكراهية بين أبناء الأمة ، وإلقاء العداوة بين المؤتمين والمأموم، وهم بهذا يعملون للفتنة ومن أجلها، فإذا ما تحققت غايتهم، فإن الفتنة لا تصيبهم وحدهم، ولا تصيب طائفة دون أخرى، وإنما تصيب الأمة بأسرها، وقد حذرنا الله - تعالى -منهم، ومن فتنتهم، فقال جل شأنه: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) [الأنفال: 25].

واتقاء الفتنة يكون بدفعها وإدحاضها، وإنزال العقوبة الرادعة على كل من يثبت عليه أنه كان سببا فيها، أو في عنصر من عناصرها..........

ومن هنا نرى أنه لا سبيل إلى الهوادة أو المهادنة في إقامة الحد على هذه الجريمة النكراء؛ جريمة إحداث الفتنة بين الصفوف؛ مناصرة لعدو البلاد الأكبر، وهو المستعمر الغاصب.
فلنتق الله في أمتنا ووطنا، وتقوى الله تدفع كل شيء، وتحول دون أي مكروه، والله يوفقنا، ويسدد خطانا إلى ما فيه النجاح والإرشاد.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة