الجُملة الفعليَّة في لغة الحديث الشَّريف 1-5

0 1157

يطلق مصطلح الجملة الفعلية على الجمل التي صدرها فعل مسند إلى فاعله، والمراد بـ(صدر الجملة) المسند (الفعل)، فلا عبرة بما تقدم عليه من الحروف والفضلات، فقولنا: (هل سافر محمد)، و(زيدا أكرمت)، و(عليك سلمت) جمل فعلية.

والجملة الفعلية هي إحدى شطري الجمل في اللغة العربية، والشطر الآخر هو الجملة الاسمية التي صدرها اسم مسند إليه خبره، فنحو (محمد يحضر) جملة اسمية، وقد خالف بعض اللغويين هذا وعد جملة (محمد يحضر) جملة فعلية، والصحيح أنها جملة اسمية بدليل دخول النواسخ عليها؛ فنقول: (إن محمدا يحضر)، و (كان محمد يحضر)، والنواسخ -كما هو مقرر عند أهل الاختصاص- لا تدخل إلا على الجمل الاسمية.

وحينما قام بعض الباحثين بدراسة الأحاديث النبوية الواردة في (صحيح البخاري) على مائدة البحث اللغوي، وجدوا أن الجملة الفعلية الخبرية المثبتة في الأحاديث المرفوعة قد وردت في سبعة وخمسين وثلاثمئة وألفي موضع.

ووجدوا أن الجملة الفعلية التي لا محل لها من الإعراب في الأحاديث المرفوعة في (صحيح البخاري) قد بلغت أربعة وسبعين وأربعمئة وألف.

وبعد دراستها، وتتبعها على وفق ما قرره النحاة فقد قسموها على النحو التالي:

أ. الجملة الابتدائية: وهي المفتتح بها الكلام، فتكون في أوله تامة المعنى،نحو: (قام زيد)، و (بك مررت)، وقد عد ابن هشام (الجملة المستأنفة) ابتدائية، وبه قال النحاة.

وقد وردت هذه الجملة في الأحاديث المرفوعة في الصحيح في (اثنين وسبعين وثلاثمئة) موضع وكان ورودها على النحو التالي:

أولا: الجملة ذات الفعل الماضي التام المبني للمعلوم: ومن أمثلتها في الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في (صحيح البخاري):

(... صدق الله...)، (... قل عربي مشى بها مثله...)، (... قال الخضر بيده فأقامه...)، (... آمنت بالله وبرسله...)، (... خبأت هذا لك...)، (... أرضعتني وأبا سلمة ثويبة...)، (... جعل الله الرحمة مئة جزء...).

فالجمل السابقة لا محل لها من الإعراب؛ أي: لا تنوب عن عنصر نحوي مفرد، وقد جاءت أفعالها بصيغة الماضي المبني للمعلوم، وهي: (صدق، قل، قال، آمن، خبأ، أرضعت، جعل).

وقد ورد الفعل (قل) خاليا من (ما) الزائدة، وهي التي تلازمه في كثير من أحواله زيادة على (كثر وطال)، وعند ذاك لا يليه إلا جملة فعلية، ولكن الاستعمال النبوي الشريف جرد (قل) من (ما) الزائدة، ثم وليه اسم هو فاعله، ومما يلاحظ أيضا في هذه الأفعال استعمال الفعل (قال) بمعنى الحركة والتحويل على معنى المجاز والاتساع، وهذا استعمال مطرد في العربية.

وقد ورد الفاعل في الجمل السابقة اسما علما كما في (لفظ الجلالة)، وضميرا متصلا كما في (آمنت)، وقد جاء الفاعل مرفوعا أو في محل رفع؛ لأن الرفع علم الفاعلية.

ومما يلاحظ كذلك على تلك الأفعال أنها قد جاء فيها اللازم الذي اكتفى بمرفوعه، وكون معه جملة مفيدة، والمتعدي الذي رفع فاعلا ونصب مفعولا به بنفسه، أو تعدى إليه بوساطة حرف الجر ليتم معنى الجملة، ومن ثم فإن الفعل المتعدي يشتق منه اسم مفعول.

فقد جاء الفعلان (صدق، قل) لازمين، على حين تعدى الفعلان (قال وآمن) بوساطة حرف الجر (الباء)، أما الأفعال (خبأ)، و (أرضعت)، و (جعل) فقد تعدى الأول والثاني منهما إلى مفعول واحد، إذ تعدى الأول بنفسه، والثاني بالهمزة، على حين تعدى الثالث إلى مفعولين بنفسه؛ لأنه متعد بالأصالة إلى مفعولين.

والأصل في ترتيب الجمل أن يأتي الفعل ثم الفاعل، وهذا في الجمل ذات الفعل اللازم، فإن كانت الجملة ذات فعل متعد جيء بالمفعول به ثالثا بعد الفعل والفاعل.

ولكن الذي نلحظه أن المفعول به قد تقدم على الفاعل في قوله صلى الله عليه وسلم: (أرضعتني وأبا سلمة ثويبة)، والسبب في تقديم المفعول هو كونه ضميرا متصلا وعليه فهو واجب التقديم، وقد عطف عليه بوساطة (الواو) (أبا سلمة).

وقد وردت الجملة الفعلية الابتدائية التي فعلها ماض مبني للمعلوم في خمسة وسبعين ومئة موضع.

ثانيا: الجملة ذات الفعل الماضي التام المبني للمجهول: ومن أمثلتها في الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في (صحيح البخاري):

(بعثت بجوامع الكلم...)، (... تيب على كعب...)، (... وقيت شركم، كما وقيتم شرها...)، (... جعل رزقي تحت ظل رمحي...)، (... خلط عليك الأمر...)، (... عذبت امرأة في هرة...).

فهذه جمل فعلية خبرية مثبتة ابتدائية لا محل لها من الإعراب، وقد جاءت أفعالها مبنية للمجهول، والبناء للمجهول ظاهرة لغوية في العربية ولها صورتها الخاصة بها، وأسلوب تعبيري يعمد إليه المتكلم إيثارا للاختصار والإيجاز، أو لأسباب أخر يتطلبها المقام ومقتضى الحال.

وإن بناء الفعل للمجهول يقتضي حذف الفاعل وإقامة نائبه مكانه، ويتطلب هذا تغييرا في صورة الفعل نفسه، وهذا ما لاحظه اللغويون في الأفعال السابقة في الأمثلة المذكورة.

ويأخذ نائب الفاعل حقوق الفاعل وواجباته نفسها، قال سيبويه: "فالفاعل والمفعول في هذا سواء، يرتفع المفعول كما يرتفع الفاعل، لأنك لم تشغل الفعل بغيره وفرغته له كما فعلت ذلك بالفاعل".

وليست كل الأفعال العربية تدخل في ضمن إطار هذه الظاهرة؛ إذ لا يدخل فيها إلا الأفعال التامة المتصرفة، وهذا القيد يخرج الأفعال الجامدة والناقصة.

وأولى الكلمات بالنيابة عن الفاعل هي: المفعول به، أو الجار والمجرور، أو ظرف الزمان، أو ظرف المكان، أو المصدر، لكن يستأثر المفعول به بالنيابة إذا وجد في الجملة إذ يكون هو المقدم، على أنه تتساوى الباقيات في استحقاق النيابة عند عدم وجود المفعول به، لكن يشترط في هذه المتبقيات شروط حتى تقام مكان الفاعل.

وبناء على ما تقدم فالذي لاحظه اللغويون في الجمل الفعلية الخبرية الابتدائية السابقة أن أفعالها بنيت للمجهول، وقد تغيرت صيغ الأفعال على وفق ما يتطلبه البناء للمجهول، فالفعل (تيب) كان أصله في المعلوم (تاب)، فلما بني للمجهول ضم أوله وكسر ما قبل آخره، وبما أن وسطه (واو) بالأصل رجع إلى أصله؛ لأن (الألف) لا يتحمـل الحركة فصار (توب)، ولصعوبة الانتقال من ضم إلى كسر نقلت حركة (العين) إلى (الفاء)، وقلبت (الواو) (ياء) لانكسار ما قبلها، فأصبحت الكلمة (تيب)، وكان مقتضى الحال يملي على النبي صلى الله عليه وسلم الاختصار والايجاز؛ لأن المقام مقام بشرى إذ بشر -عليه الصلاة والسلام- أصحابه بتوبة الله تعالى على كعب بن مالك رضي الله عنه، فاستعمل النبي صلى الله عليه وسلم صيغة المبني للمجهول للإيجاز ولا سيما أن الفاعل معروف.

وقد حدث في باقي الأفعال التغيرات المناسبة للبناء للمجهول إذ يضم الأول ويكسر ما قبل الآخر في الماضي، ويضم الأول ويفتح ما قبل الآخر في المضارع.

والنائب عن الفاعل في الأفعال السابقة هو (الضمير المتصل التاء، على كعب، الضمير المستتر (هي)، رزقي، الأمر، امرأة) على التوالي.

وقد وردت الجملة الفعلية الخبرية المثبتة الابتدائية التي فعلها ماض مبني للمجهول في اثنين وأربعين موضعا في (صحيح البخاري).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة